في مراكش لكأس العالم طعم آخر، أخباره تملأ الألسنة، وأحداثه تشغل الصغير قبل الكبير، والمعطل قبل الموظف. الكل يتحدث عن فضاء تتبع مبارياته ويتساءل عن سبيل الحصول على منفذ خاص إليها بالشاشة الصغيرة بمنزله. وأنت تتجول بشوارع مراكش الحمراء تلفت انتباهك كثرة اللوحات الإشهارية الخاصة بمحلات بيع الأجهزة المنزلية، تعلن من خلالها عن عروض مغرية بأثمنة متفاوتة لأجهزة التلفاز والاستقبال الرقمي، مستغلين بذلك كأس العالم لترويج سلعهم. في هذا الصدد يقول نور الدين البالغ من العمر 32 سنة، صاحب محل تجاري لبيع الأجهزة المنزلية في باب أغمات «الإقبال يكون لافتا للانتباه خاصة لجهازي التلفاز بجميع أنواعه والاستقبال الرقمي، ونحن بدورنا نسعى لتوفير أحسن المنتوجات على أشكالها وأنواعها وبأثمنة تتماشى والقدرة الشرائية للمواطن المراكشي». أما هشام معتصم، سائق يبلغ من العمر 36 سنة قال «اقتنيت جهاز تلفاز من نوع إلسيدي بمناسبة كأس العالم لأضمن مشاهدة ممتازة لجميع المباريات، خاصة وأنني ممن يحبذون الفرجة المنزلية مع العائلة». أما فضاءات المقاهي فتعرف من الآن تغييرات جذرية لا على مستوى الديكور أو الخدمات، لجلب عدد ممكن من الزبناء، فأربابها بدورهم يراهنون تجاريا على هاته المناسبة العالمية ويقترحون تسعيرة متفاوتة حسب موقع المقهى ورفاه الخدمة، وظروف الفرجة، حيث تقترح المقاهي الشعبية ثمن يتراوح بين 7 و10 دراهم، وفقا لإطار المباراة والفرق المتبارية، أما فضاءات المقاهي الراقية فيتراوح سعرها بين 10 إلى 15 درهما. وبخصوص هذا الموضوع صرح بومحبة البالغ من العمر 36 سنة، وهو مسير لفضاء مقهى بحي المسيرة «نعتمد على إبقاء نفس أثمنة الأيام العادية للحفاظ على زبنائنا الذين هم في نفس الوقت زبناء السنة بأكملها، والدليل هم اللقاءات التي كانت تجرى وننقلها من الدوري الإسباني خاصة الكلاسيكو الذي حافظنا من خلاله على نفس أثمنة الأيام العادية، وهذا ما يضمن لنا زبناء كثر.» وبموازاة مع زبناء المقاهي وعقلية وروح الإنسان المراكشي التي تطغى عليها النكتة والمستملحات، نجد أن هناك من يفضل متابعة المباريات مع الأصحاب والأخلاء بالمنزل، معطرين جلساتهم بالشاي المنعنع والطنجية المراكشية، في جو حميمي يغلب عليه النقاش الصاخب والتحاليل للمباريات المنقولة. لكن تبقى العقبة الوحيدة لضمان فرجة حقيقية وممتعة هي القناة العربية التي تتوفر على حقوق البث لهاته التظاهرة العالمية، والتي أبت إلا أن تضع الجمهور المغربي والمراكشي خاصة أمام الأمر الواقع حيث قررت الرفع من واجب الاشتراك المعارض والقدرة الشرائية للمواطن المغربي عامة. وارتباطا بهاته النقطة يقول محمد، وهو ممرض يبلغ من العمر 54 سنة «أفضل التمتع بمشاهدة المباريات في المنزل، لكن هذه السنة أنا في حيرة من أمري، خاصة وأن القنوات المغربية لن تنقل أية مباراة، ولكن ما تخافش حنا في المغرب وغنتفرجو إن شاء الله». أما أمين فهو تقني يبلغ من العمر 26 سنة قال «ولله الحمد ليست عندي مشكلة فأنا أتوفر على الاتجاهات والقنوات التي ستنقل المباريات موظفا خبرتي التقنية في ذلك». وأما تلك التصاريح السابقة نستنتج على أن المواطن المراكشي يهتم بهاته التظاهرة العالمية بجميع مشاربه وألوانه، وسيفعل المستحيل ليعيش نشوة الكأس العالمية. ونحن نقوم ببعض الاستجوابات والمعاينات لاحظنا أن الكل تغاضى عن ظاهرة قرصنة جهاز الاستقبال الرقمي، التي تبقى من إحدى الخيارات الواقعية التي يرضخ إليها أغلبية المراكشيين لحل القنوات المشفرة. إذن وبعدما يتم اختيار مكان المشاهدة وطريقتها يتبنى كل مراكشي فريقا ليشجعه طيلة أطوار المسابقة في غياب المنتخب المغربي، فهناك من سيشجع المنتخب البرازيلي وهناك من يرشح المنتخب الإسباني، وهناك من سيتعصب لمنتخب الجزائر خاصة وانه الممثل الوحيد للعرب وشمال إفريقيا. وارتباطا بهذه النقطة الأخيرة حاولنا رصد العلاقة بين المراكشيين والمنتخب الجزائري الذي سيكون لا محال المتنفس الوحيد للمغاربة في ظل الروابط الجغرافية والتقاليد الحياتية التي تجمع الشعبين الجزائري والمغربي. وفي هذا الصدد صرح هشام، مستخدم ذو 30 ربيعا «أنا دائما من مشجعي المكينة الألمانية، لكن هذا لا يمنع أنني سأشجع المنتخب الجزائري وأصفق له عند تحقيقه لنتائج طيبة خاصة وأنه يمثل المجتمع العربي الإسلامي». أما صلاح الدين، مسؤول عن مركب سياحي بمراكش بالغ من العمر 29 سنة فقال «الوازع العربي والديني يحتم علينا تشجيع المنتخب الجزائري، لكنه بصراحة ليس بالقوة التي تخول له نتائج سارة، فأنا أرشحه للخروج من الدور الأول، وبالمناسبة فأنا من مشجعي منتخب الديكة (فرنسا). وهكذا ستلبس مراكش الحمراء ولمدة شهر كامل ثوب المونديال العالمي المرصع بألوان اثنا وثلاثين دولة مشاركة، معلنة بصوتها على أن عشق كرة القدم وجنونها متجدر ومتأصل في ساكنتها بل وشامخ شموخ صومعة الكتبية.