إعادة إعداد المجال... في الحلقة الأولى، أشرنا إلى أن بلادنا عاشت الثلث الأول من سنة 2010 على إيقاع حدث مترابط الحلقات انطلقت «بخطاب ملكي مميز حول الجهوية»، ثم تعيين لجنتها الاستشارية وإعمال منهجية الحوار حولها وحول البيئة، وانتهى «بتخليد نوعي ليوم الأرض» ورفع شعار التنمية المستدامة كمدخل لمشروع مجتمعي «جديد»... وأشرنا أيضاً، في خاتمتها، للحاجة إلى ضبط المفاهيم وتدقيقها، وإلى تحديد الدلالات والأبعاد العميقة والحقيقية للعناوين المعلنة، وخصوصاً ما تعلق بالبيئة وبمفهوم التنمية المستدامة، وبالتمييز بين الوسائل والأدوات وبين الأهداف والغايات، وبين المرجعية والمشروع المجتمعي... ****** لا شك أن هذا المجهود التوضيحي ضروري، في إطار مراكمة الإيجابيات من أجل وضوح الرؤية...ولا شك أيضاً أن الوعي بالانحرافات الواردة، في كل «بداية» أو «تردد»، يقتضي من جملة ما يقتضيه تسجيل ملاحظتين: الأولى ترتبط بقراءة خاطئة لما يجري، وهنا وجب الانتباه إلى أن الأمر يتعلق بمشروع متكامل: المرجعية الفكرية (البيئة)، فالأدوات والوسائل (الجهوية الديمقراطية) ثم الأهداف والغايات (التنمية المستدامة)...وليس بمجرد «برنامج استعجالي» لاحتواء أو «تنعيم» القضايا العالقة، من قبيل مشكلة صحرائنا...وهذه واحدة من التأويلات المنحرفة أو القراءات الخاطئة التي ينبغي تعرية ما تتضمنه من تغليط، ومن تضليل، ومن مصالح فئوية وظرفية وذاتية محضة... الثانية تتجسد في مؤشرات ومعطيات وتوقعات الظرف العالمي، فبعد سقوط جدار برلين استفرد النموذج الرأسمالي، وهو في أوج قوته واكتماله، بالعالم لينتهي به المطاف إلى تبضيع كل شيء، مع تكيف ذكي للصين مع نظام السوق وعودة «واعدة» لروسيا واتساع دوائر النزاعات والتطرف والفوارق المجالية والاجتماعية بين الدول وبداخلها، وسقوط القرار الأممي بيد أصحاب المال. في قلب هذه الشروط والمتغيرات، يأتي البحث الحيوي عن المخرج، بتزامن مع انتقال الطبيعة، في ردها على الأنشطة البشرية، إلى مرحلة ما بعد إثارة الانتباه والإنذار...وهكذا تكون «عقيدة السوق»، و»أسطورة النمو» و»انبهارات» التطور العلمي والتكنولوجي الهائل لما بعد الحرب العالمية الثانية، برفاهياتها الظرفية وأوهامها الكبرى، قد استنفذت مدة صلاحيتها، مع مآلات 2008 المالية والمصرفية، بكل تبعاتها وآثارها الظاهرة وغير الظاهرة حتى الآن... ****** يستخلص من الملاحظتين أن المغرب، سواء في «قمة الجبل أو في سفحه»، ليس أمامه سوى الفهم الصحيح والسليم لجدلية المرجعية، الأدوات والأهداف (البيئة- الجهوية- التنمية المستدامة) في الظرف الوطني والدولي الراهن، وعلى الأمدين القريب والمتوسط تحديداً. في هذا السياق، وعلى هذا المستوى، وجبت الإشارة إلى أمرين؛ 1 . إنه، ومنذ عهود مديدة وتعاقب الدول على المغرب، يفتح ملف إعداد المجال أو تهيئة التراب الوطني على مصراعيه، ويطرح للتشاور والحوار العلني بين مختلف مكونات المجتمع السياسي والمدني والجامعي. 2 . إنه أيضاً، ومنذ الرحيل المباشر للاستعمار عن بلادنا، يطرح هذا الملف موصولاً ب»مرجعية جديدة» (البيئة)، وبأهداف مغايرة (التنمية المستدامة)، باعتباره أداة ووسيلة لبلوغ غايات وتحقيق أهداف، ورافعة من روافع النهوض والتغيير والبحث عن الجديد. واضح إذن أن ترابط حلقات هذا الحدث الذي تبلور خلال الثلث الأول من سنة 2010، من خطاب الجهوية، و»ميثاق البيئة» إلى شعار التنمية المستدامة عبر التخليد النوعي ليوم الأرض، في سياق دولي مضطرب وشرط وطني واعد، واضح أنه يستحق التأمل والمتابعة والمصاحبة والإغناء...فما العمل؟ بل كيف العمل أيضاً؟