وأنا في السنة الأولى، شعبة الفلسفة بكلية آداب الرباط، كان لي أول لقاء بالأستاذ الجابري. أقول أول لقاء فيزيقي، حين كنت في المدرج، وكان أمامي يلقي الدرس. غير أن لقائي بالأستاذ كان قبل ذلك بسنة من الزمن، حيث كنت في قسم البكالوريا.كان الأستاذ حاضرا عبر مقرره الدراسي، صحبة السطاتي والعمري. كم كان مقرهم جميلا وهو يحملنا إلى أصناف التذكير، والتفكير في الابستمولوجيا، وعلوم الإنسان، وإشكاليات الشغل والحرية. كان درس الأستاذ الجابري، وأنا في السنة الأولى، ليس كأي درس، لأنه كان درسا يدخل الذاكرة بمنهجيته، درس سلس، سهل، عميق، يسكنك، يوشمك، ولا قدرة لك أمامه. إلا أن الأستاذ الجابري كان يمثل الإصلاحي في مملكته التي لم تكن تشهد سوى ب «الثورة»، بقدر ما كنت أقدر الأستاذ كنت أعاكس وعليه السياسي، لأنني كنت «الثوري» أنا الطالب الجامعي. وأن في السنة الرابعة، وبنفس الكلية، حيث نضج نضجي، وأصبحت افقه في السياسة وقضايا المجتمع ما أوتيت إليه سبيلا. تبين لي أن بيني وبين رفاقي في «الثورة» مساحة بهو الكلية. سيأتي الأستاذ الجابري عبر درسه الديالكتيكي ليؤكد تبيني. لم يحضر الأستاذ للحصة، وكانت الحصة امتحانا شفويا لطلبته. لم يحضر الأستاذ، لأن المغرب والمغاربة كانوا في جحيم يونيو 1981. غاب الأستاذ لأنه كان مشغولا بأمور مواطنيه. وأنا مسؤول عن مرفق ثقافي، استأذنت الأستاذ في لقاء مفتوح مع روادالدار. كم كان الأستاذ من التواضع والتفاني في أداء رسالته. استجاب الأستاذ للدعوة، وكان الشهر رمضان، فيما لم يستجب آخرون....! أتذكر كيف وجدت، رفقته، قاعة اللقاء محتفلة بأستاذيته. أتذكر أن محمد البهجاجي تكلف بتسيير جلسة الحوار المباشر بين الجابري وقراءه. كما أتذكر أن ورقة مصطفى خلال كانت تقرأ«نحن والتراث». أتذكر أن الأستاذ لحظتها، كان مشغولا بأسئلة «نقد العقل العربي» وأن ذلك النقد كان يسائل الماضي واليومي. اقتنع اليوم، أن في درس الأستاذ رسالة. أؤكد اليوم، أن للأستاذ في مؤلفه فهامة. اقر اليوم، أن في فكر الأستاذ حوارا ذو مكانة. لنقم ونوف المعلم الثالث تبجيلا. المعلم الأول: أرسطو المعلم الثاني: الفارابي