الأرقام التي تحققها، حاليا، السلسلة التلفزيونية «احديدان» على القناة الثانية تستدعي أكثر من وقفة ومن تأمل وقراءة.. . فمن خلال الأربع حلقات الماضية، استطاعت السلسلة أن تستقطب أنظار ملايين من المشاهدين المغاربة، وهو ما لم تتمكن العديد من البرامج والأعمال الدرامية المغربية من تحقيقه خارج الموسم التلفزيوني الرمضاني. فتسجيل ما بين أربعة ملايين ونصف وخمسة ملايين ونصف مشاهد خلال كل حلقة كمتوسط، حسب ما كشفت عنه «ماروك ميتري»، المؤسسة المختصة في المجال، وفي ظل توفر المعروض التلفزيوني على مختلف الفضائيات العربية والدولية، وأيضا الوطنية، «يبوح» بأن هناك شيئا ما يشد اهتمام المغاربة لهاته السلسلة التي لا تخلو من مؤشرات وبصمات.. تفصح أن هذا العمل الدرامي، هو دون شك من «صنع» المخرجة فاطمة بوبكدي، وعن نص حكائي وسيناريو لشقيقها إبراهيم بوبكدي، الثنائي الذي ظل وفيا للعمل المشترك منذ أن ختما على أول إنتاج تلفزيوني لهما، بدءا من«تيغالين».. ومرورا ب«الدويبة» و«سوق النسا» ونهاية ب«رمانة و برطال».. حتى وإن خلا مخطوط جنيريك البداية والنهاية من اسميهما، لأنهما خلقا لنفسيهما نمطا تلفزيونيا إبداعيا يرتكز على «الفانتازيا» القائمة على الخرافة و«الأسطورة» و«الاعتقاد الروحاني».. وهو نمط قلما يبدع فيه آخرون.. نعتقد أنه يتطلب، أولا وقبل كل شيء، أسلوبا متمكنا في الكتابة يقوم على اطلاع واسع بالموروث الثقافي الشعبي الشفوي الحابل بحكايات، مواقف، قيم وحكم .. «تنتظر» من يوثقها في أشكال تعبيرية مختلفة، مخافة الضياع برحيل «الرواة» والجدات .. مع غزو أنماط ثقافية أخرى.. إن ما أعطى هذه اللحظة الاستثنائية ل «احديدان» على القناة الثانية، في ما يبدو، هو الاشتغال على«شخصية» متداولة جدا في الموروث الشفوي الشعبي، ومن بين أبطال الحكايات الشعبية المشهورة في تاريخ بلادنا، تقابلها شخصية جحا في المشرق العربي.. هي شخصية لطالما روت لنا الجدات والأمهات.. حكايات عنها وعن ذكائها وتصرفاتها المثيرة في مواجهة مواقف تتطلب إعمال الذكاء، العقل والبديهة، غالبا تجاه غطرسة الأقوياء وجشع الأغنياء.. معظمها يتضمن دروسا ومواعظ ينبغي الاقتداء بها في الحياة اليومية أو عند الوقوع في مواقف محرجة.... لكن ما ينبغي الإشارة إليه هو أن احديدان القناة الثانية لم يكن ليحقق هذه النسب من المشاهدة وهذه القابلية لتتبع بقية الحلقات، لو لم تكن بوبكدي فاطمة وفية لأسلوبها الإخراجي الذي كثيرا ما تعرض للانتقاد باعتبار أنه أدخلها في نمطية مملة، وفي دوامة يصعب الخروج منها .. لكن يبدو أنها نمطية أكسبتها من الخبرة والتجربة ما جعلها أكثر من غيرها مبدعة بامتياز لهذه النوعية من الأعمال الدرامية الوطنية، وكيف لا وهي تستحضر في «احديدان» أجواء الشخصية وفضاءاتها ولباسها وجميع أكسسواراتها، وأكثر من ذلك تتوفق في اختيار الممثلين الذين برعوا في نقل الصورة الحقيقية للشخصية المعنية كما رسمتها الذاكرة، وكما شكلتها مخيلاتنا الجمعية، ويكفي أن نذكر على المستوى الفنانين المشاركين محمد بسطاوي، فاطمة وشاي، صلاح الدين بنموسى، صفية الزياني، محمد بنبراهيم، كمال الكاديمي وغيرهم ليتأكد ذلك..