من «حسنات» القناة الثانية التلفزيونية التي تجود بها على المشاهدين المغاربة هذه الأيام، بل الشهور الماضية - في أوقات الذروة - تلك السلسلة المكسيكية المسماة «أين أبي» . فقد أحسنت القناة البرمجة، وأحسنت الاختيار «الدرامي»!.. وتمكنت من تجميع المشاهدين، في وقت واحد، ومناسبة واحدة، ما لم يستطع أي برنامج تلفزيوني وطني أو عمل تخييلي مغربي أن يقوم به. ألم تكشف ذلك إحصائيات «ماروك ميتري» المؤسسة المختصة في استطلاع نسب المشاهدة لدى المغاربة هذه الحقيقة التي لا غبار عليها. فالإحصائيات تقول - حسب استبيانات الثلاثة الشهور الأخيرة للمؤسسة المذكورة - أن ما لا يقل عن خمسة ملايين مشاهد - بالمدينة كما بالبادية، والكبار كما الصغار لا «يفلتون» متابعة أحداث هذه السلسلة الأمريكو- لاتينية الطويلة، العجيبة في أطوارها، وفي تركيبة حلقاتها المملة، التي ما أن تنتهي الواحدة منها وإلا وتكرر نفسها في الحلقة التي تليها.. وهكذا ذواليك إلى ما شاء لها من التمديد والتمطيط، إلى أن ينزل عفو الله على المشاهدين .. فقد، تجاوز الكلام، في السلسلة المكسيكية المعنية، عن الزواج والطلاق والخيانة وماشابه من كلمات هذا «الحقل المعجمي»، ما جادت به القناة ذاتها على مشاهديها في فترات سابقة كما في سلسلتي «سانتا باربارا» و«طوب موديل» الأمريكيتين، اللتين خرج المتتبع لهما كما دخل، دون استفادة تذكر، عدا «قتل» الوقت، وكذا «إدمان» البعض على هذه النوعية من السلسلات المستبلدة.. القناة الثانية ببثها تفاصيل مملة و «مفبركة» لحياة غير حياتنا - وإن كانت هناك محاولة ل«مغربتها» - .. قامت، ولاتزال تقوم ب «حسنة» جارية، أولا، لأن السلسلة عادت، ولاتزال تعود عليها، بالنفع، حيث «تقاطرت» عليها العديد من وصلات الإشهار في هذة الأيام التلفزيونية العصيبة.. وثانيا فقد كشف «أين أبي» - المدبلج ! - عن حقيقة لا لبس فيها، وهي أن المشاهدين المغاربة لا يرتبطون إلا بما هو مغربي. فالقيام بدبلجة هذه السلسلة - على علاتها - إلى اللهجة المغربية، وتحقيقها نسب مشاهدة قياسية توضح معطى جد مهم ، وهو أن «الصنعة» التلفزيونية الجيدة من صوة، إخراج، مونطاج وديكور.. الخ «المغلف» بدبلجة محلية هو الذي كان وراء الانجذاب الجماهيري إلى «أين أبي»، وليس إلى مضمونه التافه جدا، بدليل أن عددا من الأعمال الدرامية المغربية وبالأخص الأفلام التلفزيونية بالقناتين، «الأولى» والثانية معا، حققت بدورها أعلى نسب مشاهدة، وهذا يعتبر رسالة واضحة إلى القائمين على الشأن التلفزيوني ببلدنا أن القاعدة الجماهيرية حاضرة بقوة، إذا توفرت الشروط التلفزيونية المطلوبة، لكن التلفزيون ليس كله «دراما»!!..