المغرب التطواني يفوز على مضيفه اتحاد طنجة (2-1)    المنتخب المغربي يفوز بكأسي البطولة العربية ال43 للغولف بعجمان    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء        التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    أنشيلوتي يدافع عن مبابي.. "التكهن بشأن صحته الذهنية أمر بشع"    دينامية السياسة الخارجية الأمريكية: في نقض الإسقاط والتماثل    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    الشراكة الاستراتيجية بين الصين والمغرب: تعزيز التعاون من أجل مستقبل مشترك    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    الجزائر تعتقل كاتبا إثر تصريحاته التي اتهم فيها الاستعمار الفرنسي باقتطاع أراض مغربية لصالح الجزائر    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    مكتب "بنخضرة" يتوقع إنشاء السلطة العليا لمشروع أنبوب الغاز نيجيريا- المغرب في سنة 2025    استغلال النفوذ يجر شرطيا إلى التحقيق    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    موتسيبي "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    معهد التكنولوجيا التطبيقية المسيرة بالجديدة يحتفل ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال    انخفاض مفرغات الصيد البحري بميناء الناظور    بوعشرين: أصحاب "كلنا إسرائيليون" مطالبون بالتبرؤ من نتنياهو والاعتذار للمغاربة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في التأويل1/3


تقديم :
مما لا يخفى صوابه أن من سمات اللغة الطبيعية تكثر معاني كلمها ؛ و احتمال ألفاظها و جوها من الدلالة عديدة، و ذاك حال مفهوم التأويل الذي نلفيه متقلبا بين أحوال دلالية متكثرة. فقد يتلبس التأويل معنى الأداء الفني، و قد يعتلق بفعل النقل و الترجمة. و في أحايين كثيرة يقترن اللفظ بمعنى فيلولوجي مخصوص يغدو فيه دالا على فاعلية ذهنية و نشاط بياني يراد به تجلية المعاني الخفيات الكامنة في خطابات معتاصة على الفهم. ثم إن مذهبا دارجا قد مال به الاعتقاد إلى توسيم التأويل بميسم انطلوجي؛ إذ لم يعد متعلق التأويل -بالوفق مع هذا المذهب- بتعقل نصوص مستبهمة، بل أضحى حالا وجودية أساسية. مدارها على استشراح أحوال الوجود الإنساني.
و لقد ارتسخ هذا المعنى اللطيف في نفس الكثيرين حتى آل بهم الأمر إلى التسوية بين الوجود الإنساني و بين التأويل، فصار هذا الوجود وجودا تأويليا على الحقيقة. و هذا ما أكَده نتشه بقوله : «ليس ثمة وقائع في ذاتها ؛ بل تأويلات في شأنها» وقد سار هايدغر سيرة فيلسوف «ارادة القوة»، حين صير الإنسان كائنا نزعا بحكم تركيبه الانطلوجي إلى التأويل- والحق أن الوصلة الوكيدة بين الوجود و التأويل إنما منشؤها كون الإنسان كائنا تاريخيا متناهيا يتطلب الفهم لنفسه و لوجوده : «إننا لا نتحرى عن الفهم، و لا ننزع إلى التأويل، إلا لجهة أننا كائنات متناهية».
و لئن هو سلمنا أن علاقة الإنسان بالوجود لا تنشأ في غناء عن اللغة، حيث الوجود الذي عليه مدار الفهم و التأويل هو بحق كما قال غادمير- وجود لغوي، فإننا نسلم أن للتأويل علقة وثيقة بعالم اللغة و الخطاب و النص و ذاك ما كنيناه التأويل الفيلولوجي. و مما يجب التلفت إليه ، ترتيبا على التعالق الوثيق بين الوجود و اللغة، أن الاعتقاد في تقاصر اللغة وحدودها في الإحاطة بأحوال الوجود، و في تجلية مرادات الإنسان و قصوده، يسيغ القول بأن إعمال التأويل و إحراز الفهم ليس مطلبا ميسورا، أو مرادا ينال بالتمام. و الحق أن اعتياص التأويل و تقاصر اللغة (فضلا عن مداخلة المسبقات المقامية و نسق المصالح..) هو الذي ساق فيلسوفنا ريكور إلى الكلام عن تجربة تكثر التآويل و تنازعها : «إذا قدر أن تصارع التأويلات أمر لا مندوحة عنه، فما ذلك إلا لكون المعرفة المطلقة مطلب محال» فالذات الإنسانية المتناهية ليس في امكانيتها الظفر إلا بفهم نسبي للآثار والخطابات وإلى هذا المعنى كان إيماء فوكو بقوله «اعتقد أن خاصية عدم الاكتمال هي خاصية أساسية مقومة للتأويل» ويمكننا الجزم أن من أنكر نسبية التآويل وتناهي الفهوم فقد أنكر المحاورة وأقر العنف والاعتساف.
والذي يشهد على تعوص الفعالية التأويلية، ويبين منزلتها واستغراقها جمعية الوجود الإنساني، هو تشاغل الإنسان بأمرها، وتشوفه منذ أمد بعيد إلى الارتقاء بالتأويل ليكون مدار صناعة قائمة بذاتها، وتلك هي صناعة التأويليات التي مبناها -وفق تعريف دارج- على بسط قواعد الفهم، وإحكام معاقد التأويل لتوسيمهما «بالصرامة» و «الموضوعية».
والحال في مبحث التأويل كما ذكرنا بالنسبة للتأويل ذاته من حيث التكثر والتنازع، وهذا ما خلده ريكور بقوله «يمكن الجزم بأن ليس ثمة تأويليات عامة شاملة، ولا قانونا كونيا يضبط التأويل ويحكم زمامه. والأدنى إلى الصواب القول بأن ههنا نظريات في ضوابط التأويل منتثرة متعارضة. لقد غدا الحقل التأويلي متصدعا في نفسه، وصار حلبة للصراع الداخلي».
والمقال الذي عربناه لم يكن همَ صاحبه الغوص في تاريخ التأويليات، والتبسط في نظريات التأويل (فهذا أمر لا يحيط به المجلد الواحد...) ،بل كان همه الأول والثاني الوقوف عند جلَى الجهود التأويلية، وبخاصة التي أنفقها المتأولة الألمان. ولقد بنى ريكور رأيه ههنا على أن مبحث الفهم وصناعة التأويل صناعة «موقوفة» على الألمان. لذلك نلفيه يعرض بشكل جُملي وجيز لنظريات تأويلية جاد بها مفكرون ألمان وأجادوا فيها. والكلام هنا عن والد التأويليات الحديثة شليرماخر، ومنظر التأويليات التاريخية دلتاي ثم دار الكلام على ركني التأويليات الفلسفية المعاصرة هايدغر وأثيره غادمير. والذي يمعن الفكر في هذا المقال يتلمح أمرا لطيفا وهو أن واضعه لا يقر لأهل الفكر في فرنسا كبير إسهام في مجال التأويليات -بدقيق معناها-، ولعمري أن هذا من تواضع هذا العلامة، لأن العارف بمضايق التأويليات والناظر في طائف تصانيف الرجل يشهد أن لصاحبنا إسهاما لا ينكر في هذا الحقل،آية ذلك أن صاحب «تنازع التأويلات» استفرغ جهده وانتدب نفسه منذ الستينيات للذوذ عن التأويليات، وله في ذلك مطارحات ومساجلات مشهودة وشاهدة. ويطول بنا القول حين ندوم الإلمام بفكر ريكور التأويلي فهذه التقدمة لا تتسع لذلك، بل تتسع له دراسة خاصة سنستفرغ وكدنا للنهوض بها.
وفي مختتم هذه التقدمة، أوجه باصرة القارئ الفاضل أن هذا العمل رمناه عملا تعريبيا تقريبيا : فهو عمل تعريبي اجتهد صاحبه في نسج عباراته على منوال التأليف العربي الفصيح، ثم هو عمل تقريبي وشحناه بهوامش تنير بعض المواضع المستبهمة، و تدني إلى الفهم ما جاء غلقا ملتبسا. ولقد قربنا بعض كلام واضع النص بالاقتباس من تضاعيف كلامه في كتب أخرى، ليكون بذلك التساوق و التناسب : و نذكر أن ما ورد في متن المقال بين معقوفتين إنما هو زيادات اقتضاها السياق.
استاذ باحث في مجال
التأويليات المغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.