باستعراض المشاريع المشكلة للبرنامج الاستعجالي تبدو الأهمية التي حظي بها مشروع تطوير التعليم المدرسي الخصوصي، ما هي إذن أهم الأهداف التي يسعى هذا المشروع إلى تحقيقها؟ تخصيص مشروع مستقل للتعليم المدرسي الخصوصي ضمن المشاريع المشكلة للبرنامج الاستعجالي يؤكد أهمية الدور المنتظر منه في الارتقاء بمنظومة التربية والتكوين واعتباره رهانا أساسيا للإصلاح التربوي ببلادنا، فالبرنامج الاستعجالي، وقبله الميثاق الوطني للتربية والتكوين، اعتبر التعليم المدرسي الخصوصي شريكا وطرفا رئيسيا إلى جانب الدولة في النهوض بنظام التربية والتكوين وتوسيع نطاق انتشاره والرفع المستمر من جودته. وهنا لابد من التأكيد على أن وضع مشروع تطوير التعليم المدرسي الخصوصي تم بناء على تشخيص عميق لوضعية هذا التعليم ببلادنا ورصد دقيق لأهم الاختلالات التي يعرفها. فرغم التطور الهام الذي عرفه التعليم المدرسي الخصوصي ببلادنا ، خاصة خلال العشر سنوات الأخيرة واقعه الحالي يشير إلى استمراره في المعاناة من جملة من الاختلالات أهمها:ضعف مساهمته في المجهود الوطني لتعميم التعليم والتي لا تتجاوز 7,7 % مقارنة بمجموع تلاميذ التعليم العمومي، وعدم توازن التوزيع الجغرافي لمؤسساته واحتكار سلك التعليم الابتدائي للنسبة الكبرى من حجم الاستثمار فيه وضعف التأطير التربوي. أما الأهداف التي يسعى هذا المشروع إلى تحقيقها فإنها تتحدد في ثلاثة أهداف رئيسية هي: - المساهمة إلى جانب التعليم العمومي في رفع رهان تعميم التعليم والتخفيف من أعباء الدولة من ناحية تمويل قطاع التربية والتعليم؛ - المساهمة في الرفع من وتيرة النمو عن طريق الاستثمار وخلق فرص للشغل؛ - المساهمة في الرفع من جودة التعليم. فهذه الأهداف هي التي تشكل مجالات تدخل استراتيجية وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي للارتقاء بالتعليم المدرسي الخصوصي على امتداد السنوات الأربع من عمر البرنامج الاستعجالي. هل من فكرة عن المحاور الرئيسة لهذه الإستراتيجية؟ بناء على مقتضيات مشروع تطوير التعليم المدرسي الخصوصي فإن الاستراتيجية المرسومة للارتقاء بالقطاع ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية هي: - تنظيم وتأهيل العرض التربوي الخصوصي المتوفر، - تنمية العرض التربوي الخصوصي بالتأسيس لنموذج جديد للتعليم المدرسي الخصوصي، - تعزيز أجهزة تأطير ومراقبة التعليم المدرسي الخصوصي. تنظيم وتأهيل العرض التربوي الخصوصي المتوفر: إلى جانب الإجراءات المتعلقة بالمؤسسات المزمع إحداثها في إطار التصور الوارد بالبرنامج الاستعجالي أولت استراتيجية العمل المسطرة لتطوير التعليم المدرسي الخصوصي اهتماما بالغا بالمؤسسات التعليمية الخصوصية العاملة حاليا بالقطاع، من أجل تنظيمها وتأهيلها، عبر جملة من التدابير تهم مجالات عدة من عمل هده المؤسسات، نخص منها بالذكر الجانب القانوني والتنظيمي والجانب المتعلق بجودة التعلمات و بالحياة المدرسية ثم جانب تكوين الموارد البشرية العاملة بهذه المؤسسات. توسيع و تنويع العرض التربوي الخصوصي: هذا المحور من إستراتيجية وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي للارتقاء بالتعليم المدرسي الخصوصي يقوم أساسا على التأسيس لنموذج جديد للعرض التربوي الخصوصي، يكون أداة للمساهمة الفعلية للتعليم المدرسي الخصوصي في سياسة تعميم التعليم والرفع من جودته، من خلال عدد من التدابير هدفها تحفيز المستثمرين الخواص على الاستثمار في قطاع التعليم المدرسي الخصوصي، وتمكينهم من استغلال الإمكانات الهامة التي يتيحها الاستثمار في هذا القطاع، والتوجيه المجالي والكمي والنوعي لهذا الاستثمار، وإرساء قواعد جديدة للشراكة بين القطاعين العام والخاص في إطار تعاقدي. تعزيز تدابير تأطير ومراقبة التعليم المدرسي الخصوصي.: انطلاقا من الصعوبات المسجلة بخصوص المراقبة الإدارية والتأطير التربوي لمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي، إلى جانب ضعف تكوين المدرسين العاملين بالمؤسسات التعليمية الخصوصية الذين يتم، في الغالب، تشغيلهم بشكل مباشر دون الخضوع لأي تكوين، وضعف دورات التكوين المستمر التي يخضعون لها، فإن الإجراءات المقترحة في هذا المحور هدفها الارتقاء بالمراقبة الإدارية والتأطير التربوي من خلال توجيه المراقبة لخدمة جانب الجودة بالمؤسسات التعليمية الخصوصية، بالتركيز على ما هو تربوي بيداغوجي، وإعطاء الفاعلية اللازمة لهذه المراقبة بتفعيل الإجراءات الزجرية المنصوص عليها قانونا، والرفع من الكفاءة المهنية للمدرسين بإشراكهم في جميع الدورات التكوينية المنظمة لفائدة نظرائهم بالتعليم العمومي، وهي العملية التي شرع فيها في العديد من الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين لا سيما الدورات المتعلقة ببيداغوجية الإدماج ومشروع المؤسسة، إلى جانب تنظيم دورات تكوينية خاصة لفائدة المديرين التربويين لمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي ستشمل المجال التربوي ومجال التدبير والتسيير. ما هي المراحل التي بلغها تنفيذ مشروع تطوير التعليم المدرسي الخصوصي؟ رغم أن مشروع تطوير التعليم المدرسي الخصوصي انطلق متأخرا عن باقي المشاريع المكونة للبرنامج الاستعجالي ، فتظافر جهود جميع المتدخلين ، ساهم في تحقيق تقدم ملموس في مراحل تنفيذه خاصة على مستوى ضبط إطار المشروع وتحديد برنامج العمليات والتدابير الإجرائية وتحديد الاختصاصات مركزيا وجهويا وإقليميا والكلفة المالية لكل إجراء ثم المصادقة عليه من لدن السيد الوزير والسيدة الوزيرة ، وهذه العمليات تلتها حملة تواصلية مكثفة، مازالت مستمرة إلى حدود هذا اليوم، هدفها التعريف بالمشروع لدى جميع المهتمين والمتدخلين والفاعلين في قطاع التعليم المدرسي الخصوصي وإشراكهم الفعلي في تنفيذه. فخلال الأيام القليلة الماضية، مثلا، نظمت مديرية التعاون والارتقاء بالتعليم المدرسي الخصوصي لقاء دراسيا لفائدة المنسقين الجهويين للمشروع وممثلي التعليم المدرسي الخصوصي بالمجالس الإدارية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين كان مناسبة لتزويدهم بالصيغة النهائية للمشروع وتدقيق التدابير الإجرائية الموكول لهم أمر الإشراف عليها جهويا وإقليميا. أما فيما يخص التدابير المقرر تفعيلها مركزيا فقد قطع تنفيذها أشواطا مهمة ، بتنسيق مع الجمعيات الممثلة لقطاع التعليم المدرسي الخصوصي ضمن أشغال اللجنة القطاعية المشتركة، خاصة تلك المتعلقة بالجانب القانوني والتنظيمي مثل: مراجعة دفاتر التحملات المنظمة لعملية فتح مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي ودفتر التحملات الخاص بالتكوين الأساسي والمستمر، وإحداث بوابة إلكترونية، ووضع دليل وطني لمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي وقاعدة معطيات خاصة بها...إلخ. وهنا أشير إلى أن تنفيذ المراحل المتبقية من عمليات أجرأة مشروع تطوير التعليم المدرسي الخصوصي يتطلب تنسيقا كبيرا بين جميع المتدخلين، نظرا لطبيعة التدابير والإجراءات المقررة والتي تستلزم تدخل أطراف عديدة سواء تعلق الأمر بالمديريات المركزية للوزارة أو القطاعات الحكومية الأخرى المتدخلة. منذ السنوات الأولى للاستقلال عرف قطاع التربية والتكوين عدة برامج للإصلاح ، كان مصير جلها الفشل، ما الذي يميز هذا البرنامج الاستعجالي، وما هي الضمانات المقدمة لإنجاحه حتى لا يلقى نفس مصير البرامج الإصلاحية السابقة؟ للإجابة على هذا السؤال سوف أبدأ بالنقطة المتعلقة بضمانات نجاح البرنامج الاستعجالي، فأهم ضمانة هي الثقة الملكية السامية التي حظي بها هذا البرنامج إلى جانب الالتزام الحكومي الواضح بتوفير جميع الإمكانات اللازمة لإنجاح هذا البرنامج كما جاء في التصريح الحكومي، والذي من أهم تجلياته الميزانية الهامة المرصودة للبرنامج ، ثم طريقة العمل الجديدة المعتمدة فيه القائمة على المقاربة بالمشروع، بدءا بوضع برنامج للعمل مضبوط وتحديد الأهداف وحصر تدابير بلوغها والجدولة الزمنية لتنفيذها والكلفة المادية لكل ذلك، وتبني مقاربة تشاركية تحرص على المساهمة الفعلية والفعالة للفاعلين في الميدان الذين أبانوا عن استعداد حقيقي لإنجاح المشروع، بالإضافة إلى توفير وسائل التقويم والتتبع. فهذه الضمانات مجتمعة إضافة إلى طريقة العمل المعتمدة في البرنامج الاستعجالي سواء عند الإعداد له أو بعد الشروع في أجرأة مضامينه، هي أهم ما يميز هذا المشروع الإصلاحي المصيري والهام والذي تعقد عليه بلادنا آمالا كبيرة للارتقاء بمنظومة التربية والتكوين.