من ساكت غير مبال ومتكلم أو كاتب ساخط ، كان الإجماع صارخا ضد النظام الرسمي العربي من الماء إلى الماء قبل وأثناء وبعد ما يسمى قمة الجامعة العربية، ولم يسفر إلا عن الموقف «المتميز» لرئيس الوزراء التركي والذي اتجه شرقا لتعزيز مصالحه غربا في مناورة سياسية ناجحة وناجعة وبكل المقاييس. ومع ذلك، لا يعني أن ما تعرفه البلدان العربية شرقا لا يسائلنا،وأن ما تعرفه بلدان أروبية شمالا لا يهمنا ،وما تشهده بلدان أمريكا أو آسيا لا يعنينا. فمثلا ما جرى ويجري في الجزائر من اقتتال داخلي وتخزين للأسلحة وبشكل غير مسبوق،لا بد أن ينعكس على موقف رئاسة الجمهورية على بلدنا بحثا عن «عدو مشترك» وبالتالي ينعكس كل مجهود مغربي أو دولي لإنهاء مشكل الصحراء. ما جرى ويجري في السودان يسائلنا بشكل ملح وقد تحول الحكم الذاتي المتبع لسنوات في جنوب السودان إلى حركة للمطالبة بالاستقلال التام، وتمخض عنه مطالبة جهات سودانية غربا وشرقا للحصول على نفس الحكم الذاتي بمباركة دول في أوربا وأمريكا. وهكذا أفضت الجهوية غير المدروسة، والمبنية فقط على التراضي والمحاصصة في المناصب والثروات، إلى العصف بوحدة بلد بأكمله ، وأرسى دعائم وذرائع جديدة للحكم العسكري في السودان. ما جرى ويجري في العراق شبيه بما يجري في السودان وإن كان بشكل أفضع وبتدخل خارجي أوسع. يهمنا ما جرى ويجري في تونس، حيث أعطيت الأسبقية للتنمية والاقتصاد على السياسة، يعنينا كذلك ما جرى ويجري في مصر من حرص شديد فقط على بقاء النظام، والحرص فقط على دوامه عبر تنصيب مملكة الجمهورية المصرية، حرص ألهى الحكومة والرئيس ومجلس الشعب عن الإحاطة بقضايا المصريين وهمومهم الاجتماعية وتطلعاتهم في الحرية والتقدم. يفيدنا ما جرى في الانتخابات الحرة والشفافة التى جرت في فرنسا، وكيف أن رئيسا متمسكا بكل القرارات قد أضعف الحكومة في تدبيرها وتسييرها وجعل الفرنسيين، بين ممتنع عن التصويت ومشارك،لا ينتظرون الكثير من الحكومة في» ماتنيون» وتوجهوا نحو المعارضة التى حصلت على 23 مجلسا جهويا من أصل26. معارضة بشقيها الاشتراكي، والذي تغلب عن الذاتيات والفر دانية والطموحات الشخصية داخله، وحزب الخضر الذي اختار الوحدة في الدور الثاني مع الاشتراكيين بعيدا عن الأنانية الحزبية الضيقة، مفضلا مصلحة فرنسا وأوربا الموحدة. يفيدنا أيضا كيف وصلت الهند، التي تعد أكبر بلد ديمقراطي وأساسا الصين كأكبر بلد اشتراكي منفتح نحو الحرية ومهتم ببناء الدولة الحديثة، إلى تطور اقتصادي هائل دخل بيوتنا بأحجام كبيرة وبأثمنة رخيصة أثرت وستؤثر على الصناعة والتجارة والصناعة التقليدية في بلادنا. إن الجهوية غير المدروسة والحكم الذاتي بالتراضي في السودان وفي العراق ،وغياب الديمقراطية وحكم العسكر في الجزائر، وإقصاء الحريات والديمقراطية لصالح التنمية في تونس، وتفضيل مصلحة النظام على بناء الدولة في مصر، وتمركز القرارات كلها في يد الرئاسة في فرنسا مقابل وحدة الصف الديمقراطي الفرنسي ووحدته، والانتعاش الاقتصادي في ظل انفتاح خارجي، واهتمام جدي بقضايا الشعب في كل من الصين والهند، كلها أمثلة يجب أن يضعها المغاربة، حاكمون وأحزاب ومجتمع مدني أمام أعينهم، لا كأخبار عابرة فقط ، بل كممارسات يجب الاستفادة منها. ما يجري في بلادنا جدير بالاهتمام والسعي نحو التغيير، وما يجري في محيط بلادنا أيضا جدير بالدرس والمتابعة بغرض الاستفادة من تجارب الغير.