بهدف قياس تأثير الشاشة الصغيرة على الأدمغة، ابتكر كريستوفر نيك «مسابقة / لعبة» حيث يُدفع المشاركون فيها الى ممارسة التعذيب. البرنامج الوثائقي المثير، تبثه قناة «فرانس 2». أثار ردود فعل قوية. وفيما يلي تعليق إنياسيو راموني الباحث والصحفي مدير الطبعة الاسبانية لجريدة لوموند دبلوماتيك. إلى أي حد يمكن للتلفزة أن تكون أداة للإخضاع؟ ليست التلفزة في حد ذاتها هي التي تشكل أداة إخضاع، بل الترسانة التي تحيط بها. فالأمر يتعلق بمنظومة. وقضية الإخضاع ليست حكرا على العلم أو على التلفزة، فآليات الإخضاع من مميزات الفاشية. ويمكن أن تقودنا الى قبول الشر. وأعتقد في العمق أن ترسانة الخشبة هي التي تخلق هذا الإحساس بالخضوع. ما الذي يميز التلفزة عن وسائل التواصل الجماهيرية الأخرى؟ التلفزة اكتسبت سلطة واسعة ربما لن تتحقق لأي وسيلة اتصال أخرى، فسحر الصورة والصوت والسلبية التي تضع فيها المتفرج بكل تجاوزات التلاعب بالمشاهد... ورغم ذلك هناك القليل من الإثباتات على النفوذ الحقيقي للتلفزة على التصرفات. هناك تفسيران يتعايشان حول هذه المسألة، الاول يقول بأن التلفزة تنتج تصرفات مكرورة، حيث المشاهد يكرر إنتاج التصرفات التي يتعرض لها عبر الشاشة. والثاني يدافع عن أطروحة التطهير. وهكذا يستهلك الشباب العنف عبر الشاشة ولا يطبقونه في الواقع، لأنهم بالضبط عاشوه عبر الشاشة، لكن التلفزة اليوم وسيلة إعلام في تراجع ولم تعد هي المهيمنة. ولم تعد لها تلك الوظيفة التجميعية التي كانت لها في سنوات 1960. والأكيد أن هذه الوظيفة لم تعد تتوفر اليوم لأي وسيلة إعلام. والشباب يقضون أكثر فأكثر وقتهم أمام شاشة حاسوبهم. ما رأيكم في مشروع كريستوف نيك؟ إنه يظهر أن تلفزة الواقع أو المسابقة التلفزية قادرة على التلاعب بنا وإجبارنا على القيام بتصرفات تمنعها عنا المباديء. إنها تظهر هشاشة تصرف الافراد وأن المبادئ والقيم أقل تجذرا مما كانت عليه قبل 50 سنة. إننا نعيش في مجتمع بُُني على المتعوية والاستهلاك كأهداف في حد ذاتها. والمرور عبر التلفزة جزء من ذلك. والفرد على استعداد لخرق المبادئ من أجل هذا الهدف. وهكذا يصبح إلحاق الأذى بشخص أقل خطورة من عدم المرور عبر التلفزة. ما هو رد الفعل المحتمل لهذا الوثائقي على المشاهدين؟ هذا الوثائقي سيضع المشاهد في موقف ثلاثي. موقف الذي يرى بنوع من السادية هذا المشهد وأيضا بنوع من العدوانية. والموقف الثالث يتمثل في كون المشاهد سيقول مع نفسه «لقد أفلت بأعجوبة» أو «ماذا كنت سأفعل أنا». هذا سيخلق إحساسا بالضيق، وبدون شك هذا ما يبحث عنه كريستوف نيك، وفيلمه سيثير تفكيرا حول ما يجري في زمن الحرب. كيف يمكن للجمهور أن يتخلص من سلطة الاستلاب هذه؟ لا يجب التقليل من قدرة التفكير ورد الفعل لدى المواطنين، وأول آليات الدفاع أمام التلفزة هو عدم مشاهدتها. هل يجب تربية الأطفال على التعامل مع سلطة التلفزة؟ أنا منذ زمن، من أنصار التربية على الصورة وعلى الخطاب الفليمي يجب أن يفهم الاطفال أن التلفزة لغة بصورها وتعابيرها وأنها ليست الحقيقة وهذا سيسمح بأخذ نوع من البعد. بتصرف عن الملحق التلفزي لجريدة «لوموند الفرنسية»