الفقر ليس بابا للتبشير، الفقر كفر، أو يكاد.. هكذا تعلمنا على يد سيدنا علي بن أبي طالب. ومنذ أربعة عشر قرنا، كان واحد منا ينبهنا إلى أن الفقر طريق مفروشة بالأحابيل، ومفروشة بالنوايا السيئة للآخرين. الشيطان خبير بالفقراء، يحتاجهم دائما ليزيد من ملته. وليس الإنجيليين الذين جاؤوا منه، فهم يناهضونه منذ السقطة المدوية من الأعالي، لكنهم يدركون أن الفقر طعم جيد. الشعراء وحدهم يريدون من الفقر أن يكون ضوءا كبيرا في قلب القلب. أما الآخرون فإنهم يدركون بأنه الضوء الذي يدلهم على الأتباع الجيدين. هل سألوم العم يعقوب، لأنه ساعد الشيطان، حسب ما نعتقد في الدولة وفي الأجهزة؟ العم يعقوب، كما جاء في مراسلة لزميلنا عبد العاطي، رجل يوزع كتب الإنجيل، كتاب «أحببت فتاة» يحتوي على تعاليم حول الزواج من منظور مسيحي، يحمل معه سينما متنقلة يعرض بواسطتها أشرطة عن حياة السيد المسيح، يقيم حلقات للأطفال قرب المؤسسات التعليمية ليرددوا أناشيد (هاليلويا) ، يوزع بعض الألبسة، والهدايا والأدوية .. ( معجون الأسنان- الفرشاة-ملح مزود بالإيود...) يوزع كتيبات باللغة الأمازيغية موجهة للأطفال وأشرطة سمعية ..إنه العم يعقوب كما ينادونه أهل منطقة أيت عبدي. تقول مصادر من عين المكان بأنه يزور المنطقة في كل موسم سياحي. يبدو أنه يشتغل مرشدا سياحيا للنفس الأمارة بالسوء. العم يعقوب يشغل معه مجموعة من الحمالة يستفيدون كذلك من دروس ليلية في أمكنة المبيت لمدة أسبوع، مشيا على الأقدام انطلاقا من إملشيل مرورا بكل من أنركي و تنكارف بإقليم أزيلال في اتجاه بوتفردة بإقليم بني ملال. منطقة جبلية وعرة سكانها يعانون من العزلة والعوز على جميع المستويات. وقد كان مراسلنا مصيبا عندما طرح السؤال: فهل يعتبر نشاط العم يعقوب نشاطا تنصيريا غير قانوني؟ أم أن العم يعقوب يقوم بعمل خيري عاد؟ وفي القنيطرة، راسلنا الزميل حسن أيت بلا، وأخبرنا بأن السلطات المحلية والدرك الملكي حجزت مجموعة من الكتيبات التبشيرية كانت متداولة بين تلاميذ مجموعة مدارس أولاد موسى بدوار المغايثة بجماعة سيدي الطيبي، وقد تدخلت هذه الجهات بعد إخبارها من لدن مصالح وزارة التربية الوطنية بالقنيطرة، حيث فوجئ رجال التعليم صباح يوم الأربعاء الماضي بأن التلاميذ توجد بحوزتهم كتيبات تدعو للتنصير لمؤلفتها - جويس مايير - من عناوينها اهزم خوفك - لاترهب - اهزم روح الرهبة... وهي محاولة لاستغلال الأطفال القاصرين لأهداف دينية وتجارية أيضا، حيث أفادت بعض المصادر بأن المشرفين على عملية توزيع هذه الكتيبات كانوا يتلقون درهما واحدا عن كل كتاب، موهمين التلاميذ بأن الأمر يتعلق بقصص للأطفال، في حين أنه نشاط تبشيري مكشوف تحظره كل القوانين والشرائع الدولية وخرق سافر لحقوق الأطفال المستهدفين في هويتهم الدينية . ما يثير هو أننا اكتشفنا فجأة أن شعبنا يسير باتجاه الملالي، ثم اكتشفنا أن جزءا آخر يسير نحو الصليب. والصليب هو حظ المسيحيين من سرة سيدنا عيسى، وليس من حظ أمتنا.!! واكتشافنا لا يليق بنا في الواقع عندما نكتشف التبشير والنصرانية ... بعد الفقر!! ولعله من الغريب حقا أن ... المال يساعدنا على مواجهة.. التبشير والتشيع والتطرف المصنوع عندنا! السفير الأمريكي، الذي صرح بتقدم المغرب يوما واحدا قبل طرد المبشرين ، عاد واكتشف الحزن، عميقا في قلب اليانكي الطيب. اكتشف بأن المغرب، الذي حقق تقدما كبيرا في الحقوق الإنسانية ... سبب آخر لأمراض القلب والكآبة، وأن هناك من يشتغلون في قلب الأطلس على خارطة الفقر. المسيح لا يمكنه أن يغتنم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لكي يضاعف أعداد المسحيين، لأنه لا يرى بذلك، وإذا كان قد بدأ، ككل الأنبياء من الفقراء، فإنه لم يكن أمريكيا ولا هولانديا أبدا. إن العقيدة حرية، والرب في الأعالي يسمع لنا بكل اللغات... لكن من الأفضل أن يكون ذلك بدون معدات فارغة، وبعيدا عن محافظ الأطفال. والدولة معنية بأمننا الروحي وليس بأمنها فقط. وهو أمن يبدأ من الحديث عن الفقر، وليس عن نتائجه، ومن غير المشرف أبدا لأتباع المسيح أن يستغلوا فقراء المغرب...