حطت قمة غرناطة أوزارها، ولم يعد علينا سوى أن نستمر فيما التزمنا به دوما، إزاء شعبنا أولا، وإزاء العالم ثانيا. لكن مجريات القمة كشفت جزءا آخر من تفكير البوليزاريو، وتفكير استراتيجيي الجزائر. أولا، تحركت الآلة الانفصالية بشكل واسع ورهيب، وهي في ذلك لم تفعل سوى أنها عملت على «الاشتغال بالديمقراطية الإسبانية ورسملة ما تحقق في البلد الجار، الذي يعد بالنسبة لنا، نحن بالذات، أفقا للتطور ونموذجا للمحاورة». وقد استطاعت الآلة الجزائرية الإنفصالية أن توظف آخر عمليات التشبيك، مربوطة بعقدة الشعب الإسباني إزاء احتلال أرضنا، العقدة التي تحولت إلى حَوَل حقوقي وجغرافي وأخلاقي لفائدة الانفصال.. في حين مازالت خطتنا معزولة وغيرمنتظمة، بل يمكن أن نقول جنينية .. ونحن أيضا سلمنا ببوليزاريو الداخل، ووضعنا أوجها على هذا السديم الذي لم يكن حاضرا منذ سنوات خلت. وأصبح هذا الانفصال الداخلي العامل فوق التراب، استرتيجية، منها أولا ودائما، إعلان تبنيه الأطروحة الانفصالية واستفزاز الوحدويين، ومعهم البلاد في كل محطة. ويتم ذلك بطريقة مدروسة للغاية، لا سيما في ما يتعلق بالزيارات التي يقوم بها نشطاء الداخل إلى مخيمات تندوف. في أجواء القمة، يريدون أن يحولوا الأنظار إلى المغرب وتقديمه كمناهض للحقوق الإنسانية وجلادا لحرية التعبير. كما أنهم يستغلون التوقيت الخاص بمواعيد الصحراء المغربية ليتحركوا، فهم يدركون الآن بأن هناك انتظارا للمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، الأمريكي روس، وهم يريدون أن يصعدوا الوضع ويختلقوا المواجهة، لكي تظل البلاد بين خيارين صعبين، إما التسهال، وإضعاف الوازع الوحدوي أو الرد بحزم، ومن ثمة الوقوع في التباس حقوقي مقصود يضعف البلاد ومقترحاتها. كما أن الانفصاليين، الذين لا تنقطع الفتاوى الاستراتيجية الجزائرية عنهم يعرفون أن هناك موعدا في أبريل القادم لتقديم تقرير الأممالمتحدة حول الصحراء، وهم بذلك يهيئون الأجواء لتأليب الرأي العام ضدنا. البوليزاريو، الذي يتحرك ضد الساعة، وضد إرادة الرأي العام الدولي، لا يمكنه أن يغفل هذا التطور، ولهذا فهو يعمل بمعية الراعي الجزائري، على تحسين موقعه التفاوضي حول المقترح المغربي .. البوليزاريو يعد العدة في حالة وجود تصويت ما، لكي يجعل من الداخل حقلا، وهو في ذلك يجيب عن جدولين للأعمال: واحد كلاسيكي وثابت هو الدفع نحو الاستفتاء، الحنين الدائم. والثاني تاكيتيكي ومتحول يتعلق بالحكم الذاتي، أو ما قد يترتب عنه من عمليات اقتراعية آنية أو بعيدة الأمد، حسب تحليله. ما هو المطلوب اليوم من المغرب؟ أولا أعمال استباقية لدى الرأي العام الدولي، تتعبأ فيه كل القوى، وأولها الإمكانيات الديبلوماسية، لوضع العالم في الصورة، ولاسيما الفضاء الحقوقي العالمي والمنظمات ذات المصداقية في هذا الباب. علينا أن نتحرك ونضع العالم في الصورة كي لا نجد وضعنا ضعيفا في حالة لجأنا إلى تطبيق قوانين المملكة، والتنفيذ هذا ما اعتبرناه أقوى ما جادت به قضية أميناتو حيدر. وعلينا أن نتوقع أعمالا تخريبية في حالة فهم الانفصاليون التسامح ضعفا وطريقة في العجز. كما علينا، في حالة الشبكة الوطنية، التي ثبت أن بالإمكان أن تقوم بمجهود كبير وبارز كما في قمة غرناطة، أن النظرة التي ننظر بها إلى الجمعيات هنا تكاد هي نفسها هناك: البحث عن الموالاة عوض الفعالية والحركية، الشك في استقلالية الجمعيات وتغييب الأولويات والمصالح الكبرى.. والبحث عن «لانتيرات»!! لدينا عمل في الداخل لعزل الانفصاليين، حتى لا تعود الرمال .. نهرا يسبحون فيه كالسمكة!، وهو المبدأ المقدس في كل اختراق!!