كانت قاعة عبد الكبير الخطيبي يوم الأحد الماضي على موعد مع ندوة فكرية تشكلت أطرافها من فانسان جيسر، رجاء بنشمسي وعبد الإله بن عرفة، وتناولت موضوع «مساءلة الإسلامولوجيين الجدد». وفي مداخلته لافتتاح النقاش، طرح سالم حميش، وزير الثقافة، مسألة التعرف على الدين والفكر الإسلاميين، حيث تأثر ذلك بمجموعة من العوامل من ضمنها الكتابات التي قدمها مؤلفون لا يعرفون الفكر الإسلامي على حقيقته، إلى جانب التأثير الإعلامي السلبي، الذي يعمل على عرض شروح وتأويلات مغلوطة عن هذا الدين. ومن جانبه نوه فانسان جيسر بالفضاء الذي يتيحه المغرب للنقاش والمواجهة السلمية بين الأفكار والإيديولوجيات، الأمر الذي أصبح مهددا بالتراجع في أوربا، وفي فرنسا على وجه الخصوص. وحاول الباحث الفرنسي الإبحار في مفهوم «الإسلامولوجية»، مشيرا إلى أن تسمية ‹الإسلامولوجيين الجدد› تقتضي وجود إسلامولوجيين سابقين أو قدماء، كانوا يسيرون على مناهج أخرى، ربما وضع الجدد قطيعة معها، مضيفا أن نفس المفهوم لا ينطبق على الديانتين المسيحية واليهودية. ولقد خلف الانتشار الواسع لمفهوم ‹الإسلامولوجية›، كما يقول فانسان، إلى ظهور ‹خبراء ومتخصصين› في الفكر الإسلام، دون أن تتوفر فيهم الشروط ولا المؤهلات التي تجعلهم في موقع تحمل مسؤولية البحث في المجال وعرض الأمور كما ينبغي. وينضاف إلى هذا المعطى الرئيس، معطى آخر يتعلق بوجود توجه نحو تهميش الكتابات والأبحاث الجادة التي تتناول دراسة الإسلام والفكر الإسلامي، والتي لا يتعدى قراؤها بضع مئات. ومن جهة أخرى، عزا فانسان مسؤولية التراجع الذي يعرفه حقل الإسلامولوجيا إلى انحصار الباحثين والمفكرين في معالجة مواضيع ظرفية ومتكررة كالإسلام السياسي، مما يجعلهم في غفلة عن باقي مناحي الفكر الإسلامي وعلاقته بالمجتمع. كما وجه انتقاداته إلى الإسلامولوجيين الذي يسلطون الضوء على المقاربة الأمنية لمسألة الإسلام في أوربا، لكن دون أن يبذلوا مجهودا كبيرا من أجل إيجاد الحلول وتقديم الإجابات على العديد من التحديات التي يواجهها المسلمون في ظل تلك المقاربة الأمنية. ومن بين التحديات التي ينبغي العمل على رفعها من أجل تغيير تلك الصورة النمطية عن الإسلام، هناك، حسب فانسان، ضرورة إيلاء اهتمام كبير للظاهرة الإسلامية في مختلف تجلياتها ودراستها على المدى البعيد، والتصدي للأفكار التي تقول إن الحضارات منحصرة على جنس أو عرق معين وكذا تعزيز الحوار بين دارسي الإسلام والممارسين له. وبدورها انطلقت رجاء بنشمسي في مداخلتها من مصطلح ‹الإسلامولوجية›، موضحة اعتراضها على استخدام هذه التسمية، لارتباطها بالتوجه الاستشراقي الذي اعتمدته الدول الإمبريالية، حيث كانت ترسل بعثات إلى الدول العربية والإسلامية من أجل إيفائها بمختلف المعلومات والمعطيات المتعلقة بشعوب تلك البلدان بهدف تيسير عملية السيطرة عليهم. وأشارت إلى بعض التطورات التي عرفها الحقل الديني في العالم العربي، حيث تأثر المفكرون الإسلاميون بمظاهر الحضارة الغربية الحديثة، وانعكس ذلك على توجهاتهم، حيث أصبح مفهوم ‹المقدس› يتوارى في كتاباتهم وأفكارهم. الأمر الذي خلق ردة فعل داخل الشعوب الإسلامية، كما حدث في مصر من خلال تشكيل جماعة الإخوان المسلمين من طرف حسن البنا، بغض النظر عن التوجه المتشدد الذي تبنته هذه الجماعة. واضافت بنشمسي أن ظهور أنساق فكرية أخرى وانتشارها في العالم، كالفكر الماركسي والرأسمالي، جعلا المفركين الإسلاميين يبتعدون إلى حد ما عن مجال اشتغالهم. أما عبد الإله بن عرفة، فقد ركز في مداخلته على ما ورد في كتاب «أرسطو في جبل القديس سان ميشيل، الجذور اليونانية لأوربا المسيحية»، لكتابه سيلفان غوغنهايم. حيث أوضح بن عرفة كيف أن ذلك الكاتب قال إن الحضارة العربية الإسلامية لم تلعب أي دور من أجل نقل الفلسفة والفكر والعلوم اليونانية إلى أوربا، معتبرا في ذلك الكتاب أن العصر الذهبي لعصر الأنوار الإسلامية ليس سوى أسطورة. وذكر بن عرفة بأن صدور الكتاب، سنة 2008، أثار ضجة كبيرة في أوساط المفكرين والمؤرخين في العالم، سيما الفرنسيين الذين أصروا عريضة احتجوا فيها على ما ورد في الكتاب ومعترفين بفضل الحضارة العربية على أوربا. ومن بين الأدلة التي اعتمدها غوغنهايم في طرحه تصوره للغة لاعربية على انها مجرد أصوات وحروف تصلح فقط كلغة شعرية، ولا يمكن أن تكون لغة لنقل العلوم والأفكار. غير أن الردود التي قدمها منتقو غوغنهايم تشير إلى أن الأوربا اعتمدت في نهضتها على ما كتبه ابن رشد في شرح أرسطو، أكثر مما قاله أرسطو نفسه.