كانت السفينة العملاقة التيتانيك- تسير فوق الماء الأزرق الهادئ كأنها رأس جبل هائل و غائر و عائم. وكان الركاب-فوق- لاهين و ساهين ... يلتقون ويتفرقون.... يثرثرون ويضحكون. كما كانت قصص عجيبة تنسج ومصائر أعجب تلتقي وتتحد. لكن لا أحد منهم ،من الركاب- يحمل هم سير السفينة : فالقائد والربابنة والأعوان في غرف القيادة و التدبير و التسيير يقومون باللازم. وعليه، كانت الأضواء مشتعلة تتراقص خيالاتها فوق الماء كأنها أجساد حوريات مياسة و أصداء الموسيقى تتردد كأنها رجع أفق حالم. كان هذا حال الفوق الظاهر. أما في التحت الباطن- باطن المخازن الهائلة وبين أجزاء الآلات الضخمة- فكانت العتمة والضوضاء وأشباح كائنات سوداء و بنية تظهر وتحتفي: إنها جرذان يظهر عليها حال التوتر والارتباك فتتقافز وتدور حول بعضها البعض. إنها جرذان تختلف في ألوانها وأحجامها ولكنها تتشابه في الحركة التي تقوم بها وهي في حال التوتر والارتباك هذه: تقف على قوائمها الخلفية منتصبة،وتحرك خياشيمها متشممة،و ترفع أطراف أذانها متسمعة. ويسأل القائد في غرفة القيادة الفوقانية والأمامية خليفته الأول السؤال التقليدي: هل كل شيء على ما يرام؟ و يجيب الخليفة الأول في ثقة تامة: نعم، سيدي، كل شيء على ما يرام! الآلات تدور. الأوامر تنفذ. الركاب سارحون ومنبسطون. كل شيء ،إذن ، على ما يرام. وحدها الجرذان السوداء والبنية والمختلفة الأوان والأحجام والمنتصبة والمتشممة والمتسمعة ،تحت، هي في حالة توتر وارتباك.والعجيب أن الجرذان بدورها كانت تتكلم وتتفاهم بلغتها و إشاراتها الخاصة. - هناك شيء ما ،يا صاحبي، ليس على ما يرام. - نعم، هناك شيء ما ،يا صاحبي، ليس على ما يرام. هكذا سأل الجرذ الأسود وهكذا أجاب الجرذ البني. ويحكى بأنه في الزمن القديم ،لما كانت الجرذان تتكلم تماما مثل البشر قبل أن تصيبها لعنة فرعونية فتحكم عليها بفقدان قدرة النطق الدالة،كانت سفينة الفرعون تسير ،على مهلها، في الطريق نحو غزو بلاد الحبشة للتحكم في منبع النيل العظيم، فجرى حوار عجيب بين جرذين مندسين في السفينة الملوكية كالتالي: الجرذ الأول: أشم رائحة غريبة هي رائحة اليابسة وليست باليابسة. الجرذ الثاني: رائحة اليابسة إذا لاحت في الأفق ، يا صاحبي، يكون لها طعم زيت الزيتون. الجرذ الأول: أنت تتوهم يا صاحبي.فزيت الزيتون سد عليها الفرعون في الخوابي الملكية وحرم منها الشعب بالكامل، وما تشمه،بالتالي، يا صاحبي ، هو رائحة عرق العبيد الذين يقودون السفينة وقد انهاروا و خاروا تماما. الجرذ الأول: هل هذا يعني أننا لن نصل إلى اليابسة قط؟ الجرذ الثاني: هذا يعني أنه يلزم أن نقفز ونغادر. وقفز الجرذان وغادروا التيتانيك. وفي غرفة القيادة الفوقانية والأمامية أعاد القائد طرح السؤال التقليدي: هل كل شيء على ما يرام؟ وأجاب الخليفة الأول في ثقة تامة: نعم، سيدي،كل شيء على ما يرام!