كان فيليب سولير يعتبر أن الكتابة هي امتداد السياسة بوسائل أخرى. وفي الكتابة السياسية تصبح السياسة والكتابة، تقريبا شيئا واحدا. بدأت الكتابة السياسية في المغرب المعاصر كفعل من أفعال الآخر، صرفها يعود إلى ضمير غائب اليوم، لكنه يشكل لا وعيا أساسيا في الفهم والتصور الحاليين. بذلك كانت الكتابة في البدايات المعاصرة من إنتاج كتاب جاؤوا في حقائب المعمرين، كما تابعوا تلك الوصفيات من مواقع مختلفة، كانت فيها للتاريخ يد، وللصدفة يد أيضا. إذا تجاوزنا الكتابة الأولى عن النظام السياسي وطبائع السلطة في البلاد، مع تجاوز تفرضه المعالجة الصحافية، نجد أننا مدينون للصدفة بشيء كبير. الصدفة هي التي أنجبت لنا كتاب إمارة المؤمنين مثلا لجون واتربوري. صاحب أمير المؤمنين، الملكية والنخبة السياسية في المغرب، يقر في توطئته للترجمة الفرنسية للكتاب بأن«اختياري للمغرب ميدانا لأبحاثي مسألة تعود إلى محض الصدفة»، أو إلى «أسباب تعود إلى ظرفية ملائمة» في مقارنة مع ما كان يحلم به من أبحاث في تونس التي يقول عنها «بلا مراوغة» أنها بدت له أكثر ارتيادا. إنها عوامل براغماتية هي التي قادت أحد الكتب التي منعت في المغرب ومازالت تعتبر مرجعا في كل مقاربة للنخبة في البلد. لقد مارس المغرب على الباحثين جاذبية لا يستهان بها على حد قول جاك بيرك، الذي لاحظ أيضا أن البحث الأنكلوساكسوني في كتابة المغرب المعاصر يسد بشكل تدريجي الغياب النسبي للباحثين الفرنسيين في علم السياسة. وفي الواقع كان كتاب الملكية المغربية لجاك روبير، الصادر سنة 1963، وأعمال جاك روزيت، عن الأحزاب السياسية المغربية وجان وسيمون لاكوتير، عن المغرب على المحك، وأوكتاف ماري الذي تحدث عن الطبقة الحاكمة في المغرب، هي المقدمات لما سيصبح من بعد تخصصا فرنسيا في المغرب. ولعلنا اليوم نلاحظ أن جزءا من الكتابات لا تختلف عن السرد الصحافي المتخصص، أو هي متوالية لقصص سردية، غالبها مستقى من الصحافة بما لها وما عليها، ونسوق هنا كتاب بيير دوفرموران الأخير حول مغرب الانتقال في عهد محمد السادس، والذي عالج الأوضاع من باب السرد الصحفي، ولم يخل من الكثير من الأخطاء، منها ما يتعلق بسير رجال السياسة في المغرب أو مواقفهم. وهو ليس المجال هنا للتطرق..الخ. في الفترة الماضية كان المغاربة لا يفكرون كثيرا في التعاليم السياسية، كانوا يمارسونها، لحظة يمكن تسميتها بالإنسان الصانع، اوموفاير، ولم يتسن ، اللهم في الأطروحات والأدبيات الحزبية، وضع تصورات للسياسة والتنظير لها. ولم نخرج بتراكم كبير في المجال، ولعل الكتب التي منعت، وهي كتب عن المغرب وآليات صنع القرار فيه، تبدو ضئيلة مع حجم الفعل السياسي الذي أطر الحياة الوطنية للمغاربة. ولم تخل المكتبة الوطنية مع ذلك من محاولات جريئة وجادة في قراءة الفعل السياسي المغربي. ومنها قراءة العروي في الإيديولوجيا العربية المعاصرة الذي تم منعه، لفهم السلطة للانتقادات الموجهة، بشكل أو بآخر للممارسة في البلاد. وهناك طبعا كتابات الحبابي والمالي عزيز بلال، ووالعلو، والطوزي في مرحلة بعدية وآخرين أغنوا المكتبة الوطنية بسؤال مركزي: كيف تتم صياغة السياسة في المغرب، في محاولة تحليل النسق السياسي المغربي بمجهود مغربي. وقد لاحظنا أن الكتابة السياسية في العشرية الأخيرة زادت بشكل ملحوظ للغاية، لأسباب أضحت اليوم واضحة وذات علاقة بالجو السياسي اليوم. ومن الملاحظ مثلا أن الأستاد عبد الله العروي قد أنتج أطروحة كاملة عن المغرب والحسن الثاني بالفرنسية، بالإضافة إلى ديوان السياسة، والصباحيات أو أوراق الصباح التي سجل فيها أربعة عقود من تاريخ البلاد. كما بدأت موجة من علماء السياسة الفعليين والذين ينظرون للمغرب من زاوية المغرب، ومنهم الطوزي ورشيق وغيرهما من الباحثين اليوم في علم السياسة الذي أصبح له جمعية قائمة تنزع نحو العلمنة المستوفية للشرط المحلي. لا يمكن أن نتطرق للكتابة السياسية بدون الحديث عن معيقات تكاد تكون بنيوية في السياسة، منها المعلومة وضعفها وحدودها، في ما يخص الداخلية والجيش والعالم السياسي . ومنها أيضا المسافة بين الموقف والمعلن والممارسة، بين التأطير السياسي والإيديولوجي وبين المواقف المتخذة. هناك حيرة فعلية بين الموقف الليبرالي مثلا وبين السلوك الليبرالي للفاعل السياسي، ونفس الشيء عن اليساري وعن الإصلاحي وعن المحافظ. إنها بخلاصة الوضعية التي تنتج عن «الهوية الوضعياتية» أو situationniste ، أي الموقف حسب الوضع والهوية تتخذ بناء على اللحظة التي يعيشها الفرد. وهي معوقات لا تحد من كتابة السياسة، بل من ممارستها أيضا، وتلك قصة أخرى.