الداخل لسوق الجملة، أوالأسواق الشعبية بصفة عامة، لايسعه إلا أن «يشمر» عن سرواله أو أن ينتعل أحذية من بلاستيك «البوط»، فمعظم الأسواق تتشابه خلال فصل الشتاء، فما أن تتهاطل الأمطار بغزارة إلا وتجددت المعاناة مع الوحل والأزبال المتراكمة هنا وهناك. فمثلا سوق الدجاج المتواجد بتراب عمالة عين السبع الحي المحمدي يعرف خلال هذه الأيام بركا ومستنقعات، تنتج عنها روائح كريهة، ناهيك عن الأزبال التي أضحت من مؤثثات للسوق، إن رقع هذه المستنقعات والبرك لا يستطيع التاجر والبائع وكل من يزور هذا السوق أن يجتازها ولو كان «بطلا عالميا» في الوثب الطولي، فالبرك المائية النتنة والأوحال، تَحول دون ممارسة الباعة، سواء أصحاب الجملة أو التقسيط، لنشاطهم في أقل شروط النظافة المتعارف عليها، «وهذا راجع إلى اللامبالاة التي يعرفها، حيث لا يحسن القائمون عليه سوى استخلاص الرسوم الضريبية على كل شاحنة تدخل السوق، إضافة إلى الباعة بالتقسيط، إلا أنهم لا يكلفون أنفسهم عناء القيام بما يجب القيام به من أجل نظافته وصيانته» يقول بعض الباعة، «علما بأن الطيور من الحيوانات الحساسة للتعفن، الذي قد ينجم عن الحالة المتردية لسوق الدجاج»! وما يسري على سوق الدواجن يسري على سوق الخضر، فالتجول بين بعض ممراته أصبح من سابع المستحيلات، وخاصة تلك التي تعرف رواجا كبيرا من مثل مربعات البصل والطماطم و البقدونس و غيرها، أما القاعة المغطاة فتلك حكاية أخرى قد يرويها الراوي في ساحة جامع الفناء. أصحاب الشاحنات المصطفة هنا وهناك، لا حول لهم ولا قوة أمام ما يتراكم أمامهم من أوحال و أزبال، سوى التضرع إلى الله أن ييسر لهم سبل تخليصهم من معاناتهم اليومية مع كل أنواع الحشرات الطائرة منها والزاحفة، التي تظهر مع بزوغ أشعة الشمس . يقول أحد التجار ممن يعرضون بضاعتهم في السوق، إنهم كلما طالبوا بالنظافة، يقال لهم بأن شاحنة جمع النفايات في حالة عطب، وتارة أخرى يقال لهم إن الجرافة هي الأخرى مصابة بعطل، والحقيقة ، يضيف تاجر آخر، شيء آخر له غايات أخرى، متسائلا: ألا يكفي ما نقدم من ضرائب ورسوم لتضاف إلينا ضريبة النظافة! إذا كان هذا حال أكبر سوق للجملة بالعاصمة الإقتصادية، والذي يفتقر لشروط النظافة الضرورية التي تتطلبها مثل هذه الأماكن الحساسة، فماذا يمكن عن «الأوضاع الصحية» لأسواق أخرى تؤثث فضاءات المدينة ، عشوائية كانت أم «قانونية»، والتي يشكل بعضها عنوانا ل« الأذى سواء بالنسبة للمتسوقين أو الباعة أنفسهم؟!