لحظة قوية عرفها المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء في دورته الحالية، مساء الاثنين 15 فبراير الجاري، لحظة قوية بكل المقاييس وفي مقدمتها، تكريس ثقافة الاعتراف. في ذلك المساء، غصت قاعة مصطفى القصري، الضيقة أصلا، والتي لا ترقى سعتها إلى قيمة المحتفى به، بوجوه ثقافية وإعلامية عديدة ومتعددة وفدت جميعها للتعبير عن تقديرها واحترامها لشخص طبع مسار توزيع الصحف والمجلات والكتب في المغرب: محمد برادة. كعادته، بدا الرئيس المدير العام لسابريس أنيقاً ذلك المساء، وهو يلبي دعوة المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب، ويجلس وسط الكتاب والإعلاميين الذين قدموا شهادات تفيض حميمية واستحضاراً لمسار ومسيرة وعطاءات محمد برادة، وهم: عبد الله الستوكي، محمد لشهب، حسن العلوي، محمد بوخزار، إدريس الخوري، عبد الإله التهاني وتوفيق بوعشرين. استحضرت الشهادات جميعها، ومعها الكلمة التقديمية، بدايات شركة "سبريس" في مستودع بسيط بمرس السلطان ذات يوم من أيام أكتوبر 1977 لمواجهة احتكار الأجانب لمجال التوزيع بالمغرب، لتتحول بعد ذلك إلى مؤسسة عملاقة ومواطنة. وأكد المتدخلون على خصال محمد برادة الإنسانية والتدبيرية والتنظيمية، مثلما ألحوا على كونه أول من أدمج مؤسسة للتوزيع في الحقل الثقافي المغربي والعربي، ليس فقط باحتضان القاعة الكبرى لمقر "سابريس" بشارع سجلماسة بالدار البيضاء للندوات والمحاضرات وتقديم المؤلفات، بل أيضاً وأساساً عبر دعم الأنشطة الثقافية ومؤتمرات الجمعيات العاملة في المجالات الأدبية والفكرية والتربوي، ومنها اتحاد كتاب المغرب. وحللوا دلالات وأبعاد شعار "جريدة لكل مواطن" الذي تحمل "سبريس" لواءه، مثلما رصدوا دور محمد برادة العربي (رئاسة اتحاد الناشرين والموزعين العرب) والدولي (رواق الصحافة المغربية في المعرض المغربي بباريس وحصوله على ذرع فارس من طرف جمعية "أخوة غوتنبيرغ" الدولية). هي التفاتة جميلة إذن من طرف اتحاد الكتاب، وإضافة ترمي إلى توسيع دائرة التكريم لتشمل الفاعلين الآخرين في الحقل الثقافي بالإضافة إلى الكتاب والمبدعين. وشهدت نهاية اللقاء التكريمي مبادرة جميلة لا تخلو من دلالات هي الأخرى، إذ، وتقديراً لدورها الكبير في دعم المسار المهني الناجح لمحمد برادة واقتسام لحظات القلق والأرق والتنوير معه، قدمت باقة ورد للأستاذة الفاضلة نهلة برادة، حرم ل "الديبلوماسي والوسيط الذي ضاعت فيه الديبلوماسية، ولكن ربحته الصحافة". كم نحن في حاجة إلى الاحتفاء بفرسان الثقافة والإعلام وبمختلف المتدخلين في حقل نشر وتوزيع الكتاب، الاحتفاء بهم وهم أحياء يوزعون الابتسامة والفعل علينا بدل انتظار أن يغادرونا.