عندما انتفضت في بداية التسعينيات، جمعيات الطفولة والشباب وشبيبات الأحزاب على إثر قرار تصفية المخيم الدولي ببوزنيقة، كان الصديق الطيب حمضي في أحد مقالاته بهذه الجريدة قد اقترح، على الجمعيات الوطنية أن تنظم مسيرة حاشدة لأطفالها اتجاه وزارة الشباب. ولأن الأمر يتعلق بحق الطفولة في البحر وفي الاستجمام في مواجهة جشع لوبيات المال والعقار، فقد أضاف صديقنا على اقتراحه مسحة من الشاعرية داعيا إلى أن يمضي الأطفال عرايا في مسيرتهم الغريبة. لذلك، اعتقد اليوم بأن الفرق بين ما وقع في معركة المخيم الدولي ببوزنيقة، وبين ما يقع هنا والآن في مهزلة بيع الملك العمومي لقطاع الشباب، هو أن الوزير هو الذي يقترح علينا وزارة عارية إلا من الوهم. وقطاعا عاريا من كل مكتسبات التاريخ مضافا إليها ارث الجغرافيا. فبغير قليل من الذهول يتابع الجمعويون، إقدام وزير الشبيبة والرياضة على إطلاق عمليات تفويت ممتلكات قطاع الشباب. الواقع أن وحدها مساطر البيع والسمسرة العمومية جعلتنا وجها لوجه مع الحقيقة، فعندما كان الوزير يتحدث قبل ذلك عن نيته اللجوء لبيع عقارات الوزارة لتمويل إستراتيجيته الجديدة، لم نكن لنأخذ مزاعمه على مأخذ الجد وكنا نعتقد أن الأمر يتعلق بزلات تقنقراطية مألوفة. لكن اليوم الأمر في غاية الجد، وزير يعرض ممتلكات قطاعه في المزاد. كنا نعتقد أن الوزير القادم من عالم الماركتينغ، بارع في بيع الصورة والعلامات والرموز وحتى الوهم. لكنه يثبت الآن انه يستطيع أن يبيع أكثر من كل ذلك: أن يبيع الأرض. ليطمئن السيد الوزير، فلا موقف إيديولوجي لنا من قضية التفويتات في حد ذاتها، ولا نحن كثيرا إلى زمن القطاع العام. لكن لنناقش بقليل من الروية مسألة البيع. في خطاب الوزير المعني بالبيع، طبعا الكثير من البساطة فمعالجة أزمة الرياضة ببلادنا لا تحتاج أولا وأخيرا إلا إلى استثمارات مالية ضخمة. ولذلك فإمكانيات القطاع العقارية وحدها تستطيع حل هذه العقدة؟ لنلاحظ إذن، أننا أمام مكونات نفس الخطاب التقنوي والفاقد لكل روح، الذي لا يحتقر فقط مؤسسات الشباب ويعتبرها فقط احتمال رقم مضاف في ميزانية الرياضة، ولكن كذلك يعالج قضايا الرياضة بالكثير من الاستسهال، حيث يستعير بعض الكليشيهات المستهلكة حول الإشهار والاحتراف.. منبهرا بالأدوار الاقتصادية التي أصبحت تلعبها الرياضة في عالم اليوم، لكنه مبتعد كل الابتعاد عن الأسئلة الحقيقية للرياضة في الشرط المغربي، بخصوصياته المجتمعية والشبابية، وهي أسئلة تجعل من الرياضة قبل أن تصبح فاعلا اقتصاديا، قادرة على أن تجسد أدوارها الاجتماعية والوطنية والتربوية، كآلية للإدماج وكمعبر عن الروح الجماعية للأمة و كمحفز على قيم الجدارة والجهد والتضحية... لذلك، فإن أزمة الرياضة في بلادنا، لا تمر بالضرورة عن طريق بيع ممتلكات مؤسسات الشباب والطفولة، وهي مؤسسات وأرصدة عقارية جاءت كنتيجة لتراكم عشرات السنين. لنطرح القليل من الأسئلة الغبية، هل كل هذه المؤسسات تكفي كفضاءات للترفيه وللتنشيط السوسيوتربوي ولحماية الطفولة وللإنعاش السنوي، وهل نتوفر على ما يكفي من المؤسسات والفضاءات المفروض ان توضع رهن إشارة طفولتنا وشبابنا؟ هل يعاني هذا القطاع من تخمة في دور الشباب، ورياض الأطفال ومؤسسات حماية الطفولة، لكي نفكر بعبقرية في حل البيع. بيع مؤسسات الشباب لخدمة قطاع الرياضة؟ أي خيال جامح هذا وأي إبداع هذا، للذين تركوا جانبا العديد من الخيارات والكثير من البدائل الممكنة، ليتمسكوا بالحل الأقصى والأكثر جذرية: أن تأكل الوزارة نفسها. هل يجب أن نعيد القول بأن تدبير قطاع مثل قطاع الشباب، حتى في اعتى الليبراليات توحشا، يعد مبنيا على سياسة عمومية تنطلق من مرجعية الخدمة العمومية. وأن خطاب المردودية التجارية والمالية لا يستقيم مع هوية ومضمون هذا القطاع. ثم لننتبه إلى حجم ما يرمى إلى تفويته. إن الأمر يسائل بقوة السيد الوزير الأول، الذي لا نعثر داخل تصريحه الحكومي على إجراء من هذا القبيل، ويسائل الأغلبية الحكومية بكل مكوناتها. هل يعرف الوزير أن تدبير قطاع مثل قطاع الشباب، يحتاج إلى أكثر من الأغلفة المالية السمينة وإلى أكثر من الاستراتيجيات المصاغة على عجل من طرف أشباه مكاتب الدراسات، كما يحتاج إلى أكثر من التقديمات الساذجة للأرقام والبيانات. وبعيدا عن الصناديق والأرقام وملايين الدراهم وملاييرها، بعيدا عن البيع والصفقات والسمسرات، أي مشروع يحمل الوزير وأية قيم يدافع عنها، وأي خطاب يواجه به أسئلة الشباب؟ هل يملك الوزير مثلا رؤية سياسية واضحة لمواكبة الشباب ودعم الحركة الجمعوية للتربية على المواطنة ولاستنبات قيم الحداثة وثقافة الاختلاف والسلوك المدني وسط الأجيال الجديدة من الشباب الباحث عن مرجعيته القيمية وسط تحولات ثقافية وسياسية جارفة. قد تتوفر للايدولوجيا التقنوقراطية قليلا من الحجج، في قطاعات السكك والطرق السيارة والتجهيز والاوراش الكبرى والصغرى، لكن هذه الايديولوجيا في قطاع حيوي، في قطاع خطير، في قطاع حساس مثل قطاع الشباب لا تبدو فقط ساذجة، و لكنها تعني بالضرورة تخليا معلنا للدولة وللسياسة، عن مسؤوليتها تجاه الشباب، وهو ما معناه تركه اعزل اتجاه كل خطابات العدمية والتطرف والكراهية... لقد انتبه الإخوة والأخوات داخل الفريق النيابي الاتحادي إلى خطورة ما يقع، وداخل الوسط الجمعوي بادر منتدى المواطنة بتنسيق مع الشبيبات الحزبية والجمعيات الوطنية إلى خلق نسيج للدفاع وتنمية ممتلكات قطاع الشباب. مما يحتم اليوم تعبئة قوية داخل كل الوسط الجمعوي والشبابي لوقف العبث بمكتسبات الشباب المغربي وللدفاع عن سياسة عمومية مرتكزة على ثقافة الخدمة العمومية والالتزام الاجتماعي للدولة.