تميَّز النصف الثاني من القرن العشرين عن نصفه الأول من الناحية العالمية بانتقال العالم من صراعٍ دولي وسط الدائرة الحضارية الغربية الواحدة -فرنسا- بريطانيا- إيطاليا - ألمانيا- إلى صراعٍ دولي ذي طابعٍ أيديولوجي -شرقي شيوعي/غربي رأسمالي-، وصراعهما المباشر وغير المباشر في بلاد العرب، والذي فرز المنطقة بطابع أيديولوجي وكان أحد أسباب صراعاتٍ عربية/عربية في أكثر من مجال ومكان. أمّا سمات القرن الحادي والعشرين فلا تقوم حتى الآن على صراع دولي بطابع أيديولوجي -عقَدي- بل على تنافس بين قوى كبرى على الاقتصاد والتجارة والمصالح. ونلمس، في هذا القرن الجديد، تراجُع الطروحات الاجتماعية التي كانت سائدة في منتصف القرن الماضي -حول الاشتراكية والعدالة الاجتماعية-، وبروز الطروحات السياسية حول أساليب الحكم السياسي في ظلّ طغيان مفاهيم الاقتصاد الحر. كذلك تراجعت شعارات الاستقلال الوطني والقومي بالمعنى السياسي، وارتفعت شعارات -العولمة- و-القرية الكونية الواحدة- رغم وجود دعوات التمايز الثقافي والحضاري بين أمم وشعوب.. وبالتالي ضعُف الحديث عن القوميات بالمعنى السياسي وارتفع الحديث عن الخصوصيّات الثقافية والحضارية والتي قد يشترك فيها أكثر من أبناء شعبٍ واحد أو بلدٍ واحد. كلّ ذلك يحدث الآن في مطلع القرن الجديد، لكن في مناخ من -التأزّم الثقافي- بين الشرق -الإسلامي- والغرب -العلماني/المسيحي-، نتيجة ما حدث في 11 شتنبر 2001، وما تبعه من تداعيات في مختلف أنحاء العالم. فهناك، في عالم اليوم، شعوب تعيش الخوف من إرهابٍ ما قد يحدث في أوطانها، وأخرى تعايش الإرهاب يوميّاً حصيلة احتلال خارجي أو تسلّط داخلي. مجتمعات تخاف من -أشباح-، وأخرى تعيش الناس فيها كالأشباح! لكن يشترك الجميع في الخوف من المستقبل المجهول القادم. وكلّما ازداد الشعور بالخوف، ازدادت معه مشاعر الكراهية لهذا -الآخر- المخيف! إنّ الإدارات المتتالية على الحكم بواشنطن، خاصّة تلك المدعومة من مصانع وشركات الأسلحة، كانت بحاجةٍ على الدوام إلى -عدوّ خارجي- يبرّر سياسة الانتشار العسكري ويحافظ على التفوّق الأميركي، ويضمن تبعيّة الدول الأوروبيّة ل?قائد وحامي? الحضارة الغربيّة المعاصرة. وقد كتب الكثيرون عن هذه المقولة، خاصّة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. بعضهم كتب منذراً بخطط أميركيّة وإسرائيليّة عن جعل -الإسلام- هو -العدوّ الجديد- للغرب، والبعض الآخر كتب في أميركا والغرب مبشّراً بنظريّة -صراع الحضارات-. لكن كلّها كانت كتابات ومجرّد حبر على ورق إلى حين وقوع أحداث 11 شتنبر 2001 . فيوم 11 شتنبر 2001 كان يوم انتصار التطرّف في العالم كلّه. يومٌ انتعش فيه التطرّف السياسي والعقَدي في كلّ بلد من بلدان العالم، وأصبح بعده -المتطرّفون العالميّون- يخدمون بعضهم البعض وإن كانوا يتقاتلون في ساحات مختلفة.. وضحاياهم جميعاً هم من الأبرياء. طبعاً، كان من الحماقة في الأفعال أو الردود عليها، أن تسير الأمور في العالم الإسلامي بهذا الاتجاه الذي جرى طوال عقد التسعينات التحذير منه. أصلاً، مقولة -الحرب على الإرهاب- هي حرب فاشلة لنظريّة خاطئة اعتمدتها إدارة بوش وكرّرت فيها ما قامت به إدارات أميركية ضدّ الشيوعيّة في فترة الحرب الباردة. فالعدوّ الشيوعي كان فعلاً يحكم دولاً تمتدّ من أقصى شرق آسيا إلى قلب أوروبا مروراً بجماعات حزبيّة منتشرة في معظم أنحاء العالم. وكانت موسكو تمتلك فعلاً قنابل نوويّة موجّهة نحو أميركا وحلفائها الغربيين، فأين وكيف هو واقع حال -العدوّ الجديد- ؟ إنّها -حرب الأشباح- لكنّها تستند إلى ممارسات عنفية لجماعات متطرّفة مارست وتمارس الإرهاب في دولها أولاً، كما حدث ويحدث في عدّة دول عربيّة وإسلاميّة.