انتصبت اللوحات الإشهارية الكبيرة الأحجام بمختلف الطرق غير عابئة بكونها تساهم في التقليل من تركيز السائقين وفي الرفع من مخاطر الطريق، ويبدو أن طابعها كنشاط مربح أصعب ما فيه هو الحصول على «رخصة المزاولة» خوّل له فرصة الانتشار بشكل جعل بعض الشوارع تتحول إلى فسيفساء من اللوحات الإشهارية التي تبعد عن بعضها البعض بأقل من 300 متر. لقد كانت الطرق المغربية التي تعاني أصلاً من قلة لوحات التشوير، ولكنها صارت تعاني في الآونة الأخير من كون اللوحات الإشهارية، إما تحجبها أو تجلب بأضوائها وألوانها الأنظار عنها، ومع ذلك فإن السلطات متمادية في الترخيص بوضع المزيد من اللوحات التي ترفع من مداخيل الصناديق... كل الدراسات الإحصائية تتحدث عن مخاطر الطريق وعن ارتفاع حوادث السير وعن جسامة الخسارات البشرية والمادية التي تتسبب فيها، وفي جل الحالات يتم الاقتصار، عند تحديد الأسباب على تحميل المسؤوليات، للعنصر البشري وما قد يصدر عنه من تهور أو إفراط في السرعة أو القيادة في حالة سكر وما إلى ذلك من الأوصاف التي تتكرر في جل البلاغات، أما حالة الطرق وإخفاء لوحات التشوير بالأشجار والنباتات ولوحات الإشهار فغالباً ما تبرأ ساحتها. إن أي عمل جدي للتخفيف من الخسارات الفادحة التي تتسبب فيها حوادث السير ينطلق من توفير ما يكفي من الشروط التي تؤمن لكل مستعملي الطريق من سائقي المراكب وسائقي الدراجات والراجلين فرصة التركيز على أغلى ما تملكه البشرية ألا وهو الحياة والصحة، أما تحويل الطرق الأشد ازدحاماً بالراكبين والراجلين إلى مراكز لتكثيف أنشطة الإشهار فيمكنه أن يرضي طموحات من يغريهم اللهف وراء الربح المادي الآني ولكنه يكون في نفس الآن عرقلة إضافية للمخاطرة بالأرواح والممتلكات. عندما نطرح مسؤولية اللوحات الإشهارية في الرفع من الخسارات البشرية والمادية التي تتسبب فيها حوادث السير، فإننا نتوخى من المسؤولين أن يحددوا المعايير الموضوعية التي تؤمن التوفيق بين توفير المزيد من وسائل الوقاية من حوادث السير وبين حماية مصالح المستفيدين من هذا القطاع، أما إذا استمرت السلطات المعنية في تسليم الرخص بنفس الوتيرة الحالية، فإن الطرق المغربية ستتحول إلى مساحات لحصد المزيد من الأرواح وللرفع من عدد المعطوبين واليتامى، وهذا ما يجب تجنبه مهما كلف الثمن.