هذا الدم دمك، لأنه لا يريد أن يتخثر طويلا في دورة فاسدة، ولو تشك مرة، فلا تتردد في أن تجرح معصمك كي يسيل في هواء جديد أو تبحث عن شرخ في الدماغ كي لا تجمد في النتانة. هذا الدم دمك، لا تتركه لأحد، لأنهم سيصبغون كرياتك الحمراء بألوان لا لون لها، والبيضاء بالرمادي الفصيح وسيطلبون منك، باسم الدم المشترك أن تخسر قليلا من حمرته في البحث عن التوازن بين ما يجب، وسيطلبون منك وضعه في بنك لعل دما آخر يبقى، وتنقرض. اكتب رسالة بدمك، ولا تكتب قصيدة، فيغلبون الاستعارة على الحقيقة.. لا تفكر بغير دمك حتى لا يذوبون غضبك في محاليل الارتزاق والتفاوض مع اللصوص، ومع القتلة، ومع باعة الوهم ومحترفي السياسة والانتفاعيين والذين تركتهم توازنات قديمة مع المخابرات. دع دمك يسيل في سكرة عارمة وانتفض، دعه يصاب بالفقر ولا تغتني باقتراحاتهم ولا تغني دمك بالكوليسترول السياسي والدسم المخصص للسم الوطني.. ضع دمك فوق النار واتركه يغلي حتى يفيض عنكم، وعن الجغرافيا، وعن التوازن، وعن الخيالات النائمة في الردهات العامة. ضعه فوق تنور وانتظر أن يتبخر، ولا تبعه لأحد لكي يعيده إليك لزجا ويكاد يكون بنيا، ولا تعتبر البرودة ميزة جيدة للحديث إلى الشعب أو لتوظيف العقل في خدمة وطنك، ضعه فوق حريق شامل ولا تنم. لا تضعه في مكان تقل درجة حرارته عن البركان، أو عن الحمم الباطنية. لا ترتعد وأنت تغضب، واصرخ: يا دمي لا تكف عن الغليان حتى ولو كانت كل التهم اليوم توجه إلى الحرارة وثقب الأوزون. ضع ثقبا كبيرا في عروقك أيها الأخ، واترك رقعة الحرارة تبلع عالمك الممتد كجثة في مستودع الموتى، كحجر تمثال قديم، أو كفكرة جد متزنه في اجتماع سياسي. دم كثير قبل دمك نزل إلى الطرقات، ودم كثير سيصعد إلى السماوات، ودم كثير سيوضع في قنينات دماء معدنية تصلح للثرثرة وللتجمعات وللحديث الكفاحي على أبواب ذكريات بالية.. اختر لدمك دما شقيقا في دم الشهداء، وفي دم الغرقى، وفي دم الجنود الذين لم يعودوا بعد من خيانات السياسيين، ومن دم الرعاة في جبال قاسية، ومن دم يوسف في قميص أبيه.. سمِّ هذا الدم، سميه بما يليق بدم غير ملوث، ولا تستطيع حتى أنت، أن تضعه في أكياس السيروم المفتعل في حوادث اليوم.. هذا دمك لن ينادي دما آخر غيره، ولا تغسله ولو أغروك بكل نظافة الطبقات الوسطى والعليا وما بينهما من صقيع.. هذا دمك الأصيل، فلا تحرث أرضهم، ولا تجر محاريثهم، ولا تخن صهيلك أيها الأخ. اغضب طويلا حتى لا تصاب ببياض الدم، أو برماد الحمية اصرخ حتى يتطاير دمك من كل مسامك، ولا تحافظ على دم رصين وجاف وجد عقلاني مثل عصير المانغو! إن دما أبيض هو أبشع عقاب لك . لا تنس وصية الدم، ولا تفزع من دمك أبدا حتى وأنت تراه يسيل في الأرض أو على يد تعرفها جيدا!