لعله من نافل القول التذكير بأن كل كتابة صحفية يجب أن يكون لها أسباب نزولها ومناسبة القول أو الخوض فيها، فالمناسبة شرط كما يقول الفقهاء. ولأني لم أحظ بالرؤية المباشرة للأعمال الفنية للفنانة التشكيلية الإسبانية يولاندا ريلانك أوليڤا التي عرضتها في معرضها الأخير بقاعة النادرة بالرباط، فإن استعارتي لكراس يتضمن أعمالها ولوحاتها الفنية، من الفنان سباطة، وما منحتني إياه تلك الأعمال من نفحات الجمال، قد يشكلان مناسبة لهذا القول، مع العلم أن الجمال لا يموت بالتقادم، ومع العلم أيضا، أن الأعمال المتحدة عنها قدمت في معرض أقيم مؤخرا، ومؤخرا هذه تكتفي كي تكون مناسبة للقول. ولأن معرض الفنانة الإسبانية يولاندا ريلانك حمل عنوان «الماء والهواء»، فإن لوحاته اختارت كموضوعات لها الوردة والرقصات والموسيقى والمرأة، والفصول الأربعة، والعشق والأمومة والهندسة والمعمار المغربي، وشيء من الأندلسيات أيضا. هكذا تتفجر ألوان الورود والأزهار في أعمالها شموسا مشعة، أو تتنفس ماء وهواء، أو تنزل من أفق اللوحة أو تتصاعد من أحد جنباتها شعاعا شعاعا وقرص الدائرة في الوسط يشتعل ويلتهب، بل يذهب التجزء عندها إلى أخذ جزيئة صغيرة لمركز الزهرة حيث تبدو مثل فوهة بركان في حالة انفجار. وفي مقابل هذا الاشتعال ثمن زهور الماء أيضا حيث الألوان شفيفة باهتة ومنطفئة، لكن ثمة زهور أخرى إلا أن تشتعل حتى فوق الماء، بل تحته أيضا من خلال حمرة ظلاهها المنعكسة تحت سطح الماء. وإذا كان تألق يولاندا ريلانك في العزف علي تقاسيم الورود والزهور يكاد لا يُضاهي، فإن قبضها على أوضاع وتعابير الحالات الإنسانية يجعلها متمكنة من استنطاق أرواح شخوصها وما يختلج في وجدانهم من أحاسيس أو مواقف، هكذا يذهب الوصف عندها بالريشة إلى أبعد مداه، وهي تضع نساء لوحاتها في حلات الحزن أو الانتظار أو الطمأنينة، أو فقط مجرد راقصات في مواقف التمرين أو عند أداء الرقصة أو في وضع الجلوس. تم هناك هذه اللوحات الوصفية التي تصور رجلا يجلس القرفصاء وهو يصب الشاي، أو تلك المرأة الطوارقية بعيونها الزرقاء أو تلك المستلقية على رمال الشاطئ أو الأخرى على أحجار الشاطيء وغيرها من اللوحات المشعة بالجمال. لكن كراس أعمالها إذ ينتهي بهندسة مغربية، نجد أنفسنا أمام لوحات هي أقرب الى القلب من القلب، لوحات تجسد القباب الملونة والأقواس والجدران المزخرفة، ثم هذا الزليج المغربي النابض بالحياة حيث يهذب خيال هذه الفنانة الإسبانية المبدعة من شكل الزليج مشخصا، نحو إعادة تجريده بذات الألوان وذات قطع الفسيفساء ليأخذ أشكال أخرى كالقباب والسلالم تقول إن الجمال حي حي حي.