رنٌ جرس هاتفي على الساعة الثانية عشرة و4 دقائق من زوال يوم الجمعة الأخير، وعلى الطرف الثاني أخبرني صوت نسوي بأن وزير التجهيز والنقل كريم غلاب يطلبني، وما هي إلا ثوان معدودة حتى انطلق الوزير في اتهامي بنعوث مختلفة من قبيل «الكذب»و بكوني «مدفوع من طرف جهة ما» معتبرا أنني لم أحترم «الشراكة» التي تجمعه بي وأنني «لا أخلعه»...كانت هذه النعوث هي الرد الأمثل الذي اختاره الوزير، على مقالي المنشور في نفس اليوم تحت عنوان «قرارات وزارة النقل تعرض 80% من المقاولات للإفلاس»، وهو المقال الذي اعتمدت فيه على تصريحات ربيع الخليع الرئيس المدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدية التي تؤكد أن الخسارات الناجمة عن استغناء المجمع الشريف للفوسفاط عن النقل السككي سيتم تعويضها باستراتيجية جديدة للشحن تقوم على رفع حجم البضائع المنقولة، دون الفوسفاط، من 8 ملايين طن الحالية إلى ما يزيد عن 18 مليون طن خلال السنوات الخمس القادمة. وتوضح أن المنطلق سيكون من قطاعي الحبوب والمحروقات. تفهمت غضب الوزير، واستمعت بروية إلى تعليلاته التي تنبني على كونه الوزير الوحيد الذي أنشأ منذ توليه هذا المنصب 18 ألف مقاولة في قطاع النقل الطرقي للبضائع وأنه ساهم في الرفع من مبيعات الشاحنات الجديدة وأنه يدعم طرح الخليع الهادف إلى إنقاذ المكتب الوطني للسكك الحديدية من الإفلاس وإلى الرفع من مردوديته في ظل وضعية متميزة بارتفاع الحجم الاجمالي للبضائع المنقولة بمعدل 7 % في السنة. وبغض النظر عن موقفي من هذا الكلام، فإنني طلبت منه أن يبعث للجريدة ببيان حقيقة والتزمت له بالعمل على نشره، ولكنه رد بكونه لا يتعامل بهذا الأسلوب مع من كانت تجمعه به علاقات «شراكة». الوزير الذي اعتبر أنني لم أعد استحق الاحترام الذي كان يوليه لي، امتنع عن سماع رأيي ولاحظ أنه يعبر لي عن رأيه بشكل مباشر وثنائي، أما رأيي فلم يعد في حاجة إلى سماعه لأنه قرأه في الجريدة. المكالمة التي استمرت 14 دقيقة ونصف كانت هي آخر مكالمة بيني وبين وزير التجهيز والنقل، لأنه طلب مني صراحة أن أكف عن الاتصال به واعتبر أن مساعدته خديجة بورارة أحسنت التصرف لأنها لم تكن تجيب عن أسئلتي. انقطعت المكالمة ولكن عدة أسئلة ظلت قائمة، وأولى هذه الأسئلة هي ما طبيعة «الشراكة» التي كانت تجمع الوزير كريم غلاب بي؟ وماهي المعلومات الكاذبة التي تضمنها مقالي المنشور في عدد يوم الجمعة 22 يناير 2010، وحتى إذا كانت هناك شراكة ما، هل يريد الوزير اعتمادها كورقة ضغط لمنعي من التعبير عن رأيي حول مصير حوالي 70 ألف من المستخدمين المهددين بفقدان مصدر عيشهم في حالة إفلاس 80% من المقاولات العاملة في قطاع النقل الطرقي للبضائع؟ أنا ما زلت أومن بأن الصيغة المعتمدة في تدبير قطاع النقل الطرقي تتناقض مع ديباجة قانون تحرير القطاع 16/99 وتهدد مقاولات النقل التي تتوفر على أقل من 3 شاحنات بالإفلاس، وإذا كتب لهذا النهج أن يستمر فإن الباب سيفتح على مصراعيه أمام هيمنة المقاولات الأجنبية، وعوض أن يسفر التحرير عن تأهيل القطاع الوطني، فإنه سيسفر عن التخلي عنه، ومع أن الوزير لا يشاطرني الرأي ويغضب من كتاباتي، فإنني أفضل أن أمتثل لقراره وأكف عن الاتصال به هاتفيا، على أن أعيش اليوم الذي سيسيطر فيه الأجانب والمقاولات الكبرى على النقل العمومي للبضائع والمسافرين، لأن النتيجة الحتمية لهذه السيطرة هي فقدان المغرب لجزء من سيادته وفرض منطق «حقيقة الاسعار» الذي سيحول الرخاء المنشود إلى غلاء فاحش.