أمريكا اليوم، هو السؤال الذي يطرحه فيلم جديد (2009) للمخرج واين كرامر بالعنوان أعلاه ليقدم لنا وجهة نظر أمريكية أخرى بخصوص الأوضاع في الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد مرور قرابة عشر سنوات على الحادي عشر من شتنبر ، وذلك من زاوية دقيقة تهم، أساسا، الأوضاع التي يعيشها المقيمون غير الشرعيين· على مستوى الكتابة السينمائية، انتهج الفيلم صيغة بناء تقوم على توالي ما يبدو، للوهلة الأولى، قصصاً متفرقة يتحكم في تطورها ضابط الشرطة ماكس، (هاريسون فورد) الذي يقود فرقة أمنية لملاحقة هؤلاء المقيمين· يعيش حميد (مساعد ماكس)، في القصة الأولى، منكسراً إزاء ما يراه انحلالا خلقياً في سلوك أخته (زهرة) التي تعمل بإحدى شركات الطباعة حيث تربطها علاقة عشق مع مالك المحل. مرد الانكسار تشبع حميد بالإرث الشرقي، فهو سليل عائلة مسلمة إيرانية الأصل، وذلك كاف لأن يرى في أخته مصدر إزعاج لذلك الإرث المشترك· كلير، الشابة الأسترالية تسقط ضحية ابتزاز جنسي من طرف أحد موظفي إدارة المهاجرين. الطالبة تسليمة تتدخل، في فصل الدراسة، لتعبر عن رأيها في هؤلاء الإرهابيين الذين يفجرون أجسادهم ولاء لفكرة ما، وذلك رغبة منها في فهم «لماذا يكنون العداء للولايات المتحدةالأمريكية؟»، ولإقناع المحققين توضح «لم أقل إنني أتفق مع الانتحاريين. قلت فقط إنني أفهم حاجتهم إلى أن ينصت إليهم». لكن الإدارة الأمريكية تقرأ في موقف تسليمة تحريضاً بينا على «الجهاد». في قصة رابعة يناور أحد الموسيقيين اليهود (كوسيف) من أجل تسوية وضعه فيضطر إلى استعادة دينه الأصل، بعد إلحاده، من أجل الورقة الخضراء. فيما تسقط الشابة المكسيكية على الحدود مع بلادها، محاولة منها للهروب من وضعها غير الشرعي· أما الشاب الكوري فيمقت، في قصة أخرى، الولاياتالمتحدة لأنها أصبحت مجرد بورصة لمراكمة المال، ولذلك لا يتردد في الانخراط في عصابة لاقتحام أحد المحلات التجارية من أجل المال أيضا. إن هذه القصص بمثابة مسالك متقاطعة عبر عنها المخرج بفاصل صوري يفصل كل مشهد عن تاليه بإبراز منظر مكبر للجسور والشوارع الأمريكية في وضع تشابك وتقاطع· لكنها المسالك التي تلتقي جميعها في تأكيد أن المشترك بين القصص هو أمريكا ذاتها، إذ تتحول إلى كابوس للآخر، مهما كان دينه أو عرقه أو أصله الجغرافي، ولذلك كانت نهايات الأبطال متشابهة، باستثناء اليهودي والكوري اللذين سويا وضعهما القانوني. تسليمة تعود إلى بنغلاديش مفصولة عن الوالد، المكسيكية تلقى حتفها في ما يشبه الانتحار، اليهودي يسوي وضعيته بعد عملية «نصب » معنوي، زهرة الإيرانية تقتل على يد شقيقها فريد · أما الأسترالية فترحل إلى بلدها بعد أن سقط حلمها الأمريكي· الأكثر من ذلك أن أمريكا في هذا الفيلم لا تزعج فقط، بل تصبح مكانا لسوء الفهم حيث تغتال فكرة الحوار الحضاري، وتتوارى قيم الإنسان لفائدة التناور والاحتيال أو الخوف· وهي بذلك تولد غضباً لا أحد يتوقع مترتباته في المستقبل· الولاياتالمتحدةالأمريكية، في هذا الفيلم، مدى مسيج بالأسلاك، علبة سوداء تنتج أشخاصا أشبه بالظلال، منقادين نحو المتاهات، ولذلك فإن خطرها القادم لا يهدد البلاد وحدها، بل جوهر الإنسان· وربما هذه هي أولى الخلاصات لفيلم اختار له المخرج المهاجر، هو نفسه، إلى أمريكا من جنوب إفريقيا، عنوان «عبور»، لكنه العبور إلى المتاهات.