أدى الإقبال المنقطع النظير على مختلف السلع بالأسواق الكبرى بالعاصمة الفرنسية إلى ارتفاع في الأسعار حددته بعض الصحف في حوالي % 20 . وقد عللت نفس المصادر هذا الوضع بالتقلبات المناخية التي أسفرت عن اتخاذ قرار يقضي بمنع تنقل الشاحنات ليلا لتفادي مخاطر وقوع حوادث السير بفعل الثلوج والصقيع. ارتفاع الأسعار بنسبة %20 تلاه وضع علامات كتب عليها «انتهى المخزون». لنتصور أن الطرق الرابطة بين الدارالبيضاء أو الرباط وبين المناطق التي تمون السوق الداخيلة كسوس ماسة والغرب انقطعت بفعل العوامل المناخية، وبأن الأرصاد الجوية توقعت استمرار الوضع لبضعة أيام، هل سيتزايد الإقبال على التموين إلى حد الإعلان عن انتهاء المخزون بالأسواق الكبرى؟ وإذا كان الجواب بنعم، فهل سيقتصر رفع الأسعار إلى مستوى %20. إن أولى عناصر الجواب تنبثق من الواقع الذي يعيشه المغاربة حاليا، والذي يتمثل في أن المنتجين المغاربة اضطروا إلى تقليص أسعار بعض الخضر والفواكه عقب التساقطات المطرية، إما بسبب تدني جودتها، وإما بسبب صعوبة تسويقها في الأسواق الأوربية التي تعاني من أزمة النقل، وكمثال على ذلك سعر الكليمانتين الذي تراجع عند البيع في الحقول من حوالي 4 إلى 1 درهم للكيلو غرام، ولكنه مع ذلك ظل يباع في أسواق الدار اليبضاء بما بين 4 و 8 دراهم، علما بأن هذا المنتوج معروض في الأسواق المغربية بكميات تزيد بكثيرعن المعتاد. من الممكن تفهم الزيادات التي تنتج عن تهاطل الأمطار بغزارة، فمن يقبل تحمل جني المحاصيل في أجواء ممطرة ومناخ بارد، ومن يقبل نقل السلع عبر طرق غارقة في الأوحال أو تغطيها برك من الماء، يستحق أن يجازى عن تضحياته، لكن ما لا، ولن يمكن تفهمه هو أن يظل المضاربون هم المتحكمون في الأسعار، وأن يظل كل من المنتج والزبون تحت رحمته سواء كان المحصول جيدا أو ضعيفا. إن المغرب في حاجة ماسة إلى سياسة حقيقية للأسعار، وإلى نظام تجاري يجازي من يكد ويجتهد ويحد من هيمنة الوسطاء والمضاربين، وهو قبل هذا وذاك في حاجة إلى تفعيل القوانين المتوفرة بما في ذلك قانون المنافسة وقانون إشهار الأسعار، فضلاً عن توفير آليات ومورد بشرية قادرة على تحصيل الضرائب المستحقة على المضاربين، أما إذا بقيت مداخيلهم غير خاضعة لقانون الضريبة على الدخل، فلا أمل في ردعهم وفي حماية المستهلكين من الغلاء الفاحش.