ولد الشاعر الفرنسي جول سيبرفيال ب «مونتيفيديو» بالاورغواي، يوم 16 يناير من سنة 1884. عرف اليتم باكرا بوفاة والديه نتيجة شربهما لماء فاسد. نشر أول أضمومة شعرية سنة 1900 تحت عنوان « ضباب الماضي». ثم التحق بالخدمة العسكرية التي لم يصمد فيها كثيرا بسبب قساوة المهمة.عقب هذه المرحلة أكمل دراسته للقانون واللغات.عندما بلغ العشرين من عمره تزوج في الأورغواي « بيلار سافيدرا»، التي منحته التوازن وستة أطفال. انتبه إلى شاعريته كل من أندري جيد وبول فاليري. وبعد ذلك ربطته صداقات متينة بأهم وجوه الأدب في فرنسا: جاك ريفير، بول بولهان، هنري ميشو ، إيتيامبل ... قضى معظم حياته في حب زوجته وأبنائه وأصدقائه وشعره. وتوفي في باريس سنة 1960. كيف نصف سوبرفيال؟ لنعد إلى كتاب «يوميات باريسية» للشاعر المكسيكي ألفنسو رييس التي يصف سوبرفيال في مقال مخصص له بأنه «زرافة الشعر الفرنسي» أثناء ٌإقامته بريو دي جانيرو. ويضيف أن هذا الشاعر كان يتمتع بشجاعة عالية وبقامة سامقة، عندما وصفه بكونه « برج إيفل وهو يسير». وفي كتاب مكرس له قال الشاعر الفرنسي «كلود روا» عن «سوبرفيال» بأن في داخله « شأن كل شاعر ، شاعر رديء لوي عنقه»، معنى ذلك أن سوبرفيال في مأمن من عيوب الشعر. وما يدل على خصوصيته أنه عاش فترة فوران السوريالية ولكن مع ذلك حافظ على صوته الخاص ، دون أن نعدم ميوله السوريالي الخفي نحو سلطة الحلم. لم يعرف شاعرنا استضافة إلى اللغة العربية إلا بفضل الشاعر «بول شاوول» في كتابه الموسوعي عن الشعر الفرنسي. وهي التفاتة سلطت الضوء على شاعر كان شبه غير مرئي في الثقافة العربية. نترجم هنا مجموعة من القصائد من مجموعة «المحكوم البريء» الصادرة عن دار غاليمار سنة 1969. الرابعة صباحا ماذا تتوقع من هذه النقوش المحرومة أبدا من الضوء ولا أحد يلمسها داخل صندوق وراء البحار؟ إذا لم يكن أحد في هذه الزاوية لماذا تنظر إليها. ماذا تتوقع من الفضاء الذي يتصلب أمامك، من هذا الظل على الكرسي الذي يتقدم وهو يتوارى مثل مرض قاتل؟ آه، أحذر من صوت المتشرد الذي بلا جسد وبلا وجه والذي يستعمل عينيك، ويديك ليكتب هذه الأبيات التي ترتعد من رؤية النهار. غرفة في فندق (إلى بنيامين كريميو) وأحدهم يعلق على المشجب معطفا مليئا بضجيج الشارع، والآخر ينظر إلى برنسه ويقلبه، ثم يشمه. والآخر يصلح سريره مثل كمان في الليل. يدس فيه ساقيه النحيلتين. مائة وجه جعلوا الخزانة ذات المرآة ترتعش، حتى الزنجي. والعربي يتثاءب. عبثا تحاول الخادمة محو كل ذلك في الصباح. أقول لكم إنها أشباح وإن الغرفة بكاملها تتردد وهي أسيرة لهذه الأقدار أمام مسافر جديد يعاند في أن يكون أنا ويميل على بندول الساعة . لكن المينا تظاهر بالنوم. هذا السرير الذي أنام عليه كم أصبح خطيرا وخفيا، وأغطيتي كم أصبحت جامدة وتريد أن تجمدني ! لكني بحاجة إلى مزيد من الطرق، بي رغبة كبرى إلى القرى، وإلى طول القارات للذهاب والإحساس بعمري يكبر. عيناي الزرقاوان سيبتلعانني بكل جوعهما الأسود. لكي أنتسب إلى الرؤى توقظانني، تدفعانني، يجب أن أهيئ لهما بداخلي قربانا، وحتى في أكثر الليالي عراء أتخيلهما لذة. و رغم ذلك فما أنا إلا رجلا لا يعرف جيدا عمله، قلبه الموشوش يريد أن يوضح من جديد ، ومن البدابة، على هذا السرير الموضوع في إفريقيا ويبحث عن استنادات أخرى. ( القيروان، 1927)