يتوصل الواحد منا أحيانا برسائل إلكترونية تستحق القراءة والتأمل والتعميم. منذ أيام، بعث لي أحد الأصدقاء بواحدة من هذا الصنف، يبدو أن من نشرها على شبكة الإنترنيت كاتب وباحث فرنسي يحمل اسم أوليفيي كليرك، وهي تشتمل على حكاية انتقى لها صاحبها عنوان «الضفدع الذي يجهل أنه يتعرض للطهي!». تقول الحكاية بلغة فرنسية بسيطة لا تتضمن أي تنميق: «تصوروا قدرا مليئا بالماء البارد، قدرا يسبح فيه ضفدع بطمأنينة. يوقد أحدهم النار تحت القدر، لتشرع درجة حرارة الماء في الارتفاع ببطء. «بعد وقت وجيز، صار السائل داخل القدر دافئا فاستحبه الضفدع وواصل السباحة بذات طمأنينة البداية. «استمرت درجة حرارة الماء في الارتفاع مما جعل الضفدع يشعر ببعض التعب، لكن ذلك لم يقلقه أكثر من اللازم. «درجة حرارة السائل لا تطاق الآن. هيمن على الضفدع إحساس بالانزعاج، شعر بأن قواه تخور، لكنه تقبل الوضع الجديد دون القيام بأدنى رد فعل للمقاومة. «لحظة بعدها، كانت عملية طهي الضفدع قد انتهت ببساطة والحيوان قد غادر الحياة الدنيا. «تصوروا لو أن الضفدع نفسه وضع مباشرة في قدر تصل حرارة مائه إلى خمسين درجة! لو حصل ذلك، لقام برد فعل سريع ونط بمهارة خارج الإناء لينقذ نفسه من موت محقق!» في تعليقه على حكاية الضفدع، يكتب أوليفيي كليرك: «تبرهن هذه التجربة على أن التحولات والتغييرات تنسحب خارج الإدراك حين تحدث بشكل بطيء، ولا تولد أي رد فعل أو مقاومة أو معارضة. وهذا بالضبط ما يحصل في مجتمعاتنا منذ سنوات عديدة، حيث نتعود على التحولات البطيئة الإيقاع ونذعن لها. ثمة ظواهر كانت ستصيبنا بالهلع لو وقعت فجأة قبل سنوات، لكنها انسلت اليوم رويدا رويدا إلى واقعنا فصرنا نتعايش معها، ولا تخلق لدينا سوى انزعاج سطحي حين لا نواجهها بلا مبالاة قاتلة». أجل، ببطء شديد، استحال خرق الحقوق، إهانة الكرامة، الاعتداء على البيئة، تدنيس الجمال وتبخيس الحياة أمورا عادية، بل صرنا شركاء لمن يرتكبونها، تحولنا إلى ضحايا مباركين وعاجزين. أجل، أليس من المفروض أن نتساءل مع الكاتب أوليفيي كليرك: «ألا نتعرض نحن كذلك لما تعرض له ضفدع الحكاية، ألم تصل عملية طهينا إلى نصفها ونحن غير منتبهين لها ولا واعين بها؟»