في يوم الأحد، كان جزء من أعضاء الوفد قد سافر، لأن الطائرات اشتغلت لمدة، في حين ظل الباقي ينتظر أن ترفع السماء معطفها الغائم وتسمح بعبور الطائرات. وكان المساء مناسبا لكي نبحث قليلا في هذه العاصمة التاريخية. كان المكان الذي يحيط بنا غارقا في الحداثة، وفي النساء التركيات الجميلات. سائقو الطاكسيات الواقفون بدوا مثل نجوم سينما ينتظرون اختبارهم الأول لكي يشاركوا في فيلم عاطفي مكتوب لربات البيوت الحالمات بظهيرات رومانسية. الطاكسيات تبدو كما لو أنها معروضة لأول مرة في الشارع. الإستعدادات لعيد ميلاد المسيح على قدم وساق. في أقصى الشارع الكبير، شارع الاستقلال، ينتصب برج غالاطا، ذو الطوابق السبعة. وهو برج بناه الإيطاليون، أهل جينوا ( وجيمانواش!، بحالنا) في 1368، على الضفة الأوروبية للمدينة. وكان الجينيون يطلقون عليها برج المسيح، وكانت من ضمن المستعمرة الجينيوية القديمة غالاطا، والتي تم تدمير أسوارها في سنة 1453. لهذا تجد اليوم اسم محمد الفاتح في اللوحة التي يقدمها البرج، العالي. اسم الفاتح المرتبط بدخول بيزنطة في سنوات خروج أهل المغرب من غرناطة، بسنوات قليلة قبل سقوط العاصمة الأندلسية. في الطابق الأول للبرج، مكتب الاستقبال، ولكن أيضا مبيعات كثيرة لمآثر المدينة. صعدنا إلى أعلى البرج، كان الجو ماطرا، حتى أصبحت لدينا مزحة تقول «إذا أردنا أن تمطر السماء في إسطنبول، قلنا لعبد المقصود أن يدعونا إلى العشاء خارج الفندق»، حيث حدث ذلك في العشاء الأول والعشاء الجماعي الثاني. في الطابق وجدنا إسطنبول في لوحات الاستعراض، وفي المنظر العام الذي يطل على المضيق، وعلى المآذن. مدينة الألف مئدنة تستمتع بأجساد الروسيات، في ذلك البرج تذكرنا الغيوان: فوق ذاك البرج العالي، أمر الله عليه اغفلنا. إسطنبول التي وطأتها سنابك الخيل الفاتحة، تتلوى بعيدا عن عمدتها المنتمي إلى العدالة والتنمية. قال حميد الأول: إذا كانت هي دي العدالة والتنمية، فأنا منخرط فيه. أجابه حميد الثاني: إذا كانت كذلك، فستجدني إن شاء الله ضابط الإيقاع لتلك الروسية المغناج.. ضحكنا وفكرنا قليلا في مفارقات مدينة تضم قبر الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري، وبرج غالاطا. نفس النمرات، نفس الأغاني، نفس الأحاديث، ونفس التحايا.. كان أمامنا يومان، الإثنين والثلاثاء، قبل أن نغادر، وانفتحت أمامنا مدينة إسطنبول هائلة، تاريخية ورهيبة. عاتية بكل ما فيها. في عاصمة الإمبراطوريتين، العثمانية والبزنطية قبلها، العاصمة الاقتصادية لتركيا الحالية. فرأسها نهر البوسفور وساحة انتشارها أوربا وآسيا. هي آخر مدينة تغادرها من أوروبا، وأول مدينة تستقبلها آسيا، سميت إسطنبول بهذا الاسم ابتداء من 28 مارس 1930، بعد أن ظلت تغير أسماءها كما تغير ديانة قادتها وحضاراتهم، بيزنطة، ثم قسطينطينية، نسبة إلى الإمبراطور قسطنطين الأول، وقد ظلت عاصمة تركيا إلى حدود أكتوبر 1923، قبل أن تتحول أنقرة عاصمة لتركيا الجديدة. لكن إسطنبول هي بالأساس مدينة ملايين النسمات. وبالرغم من كل الكثافة، لم نلحظ وجود أي رجل شرطة في ملتقيات الطرق، وبالرغم من التدفق الرهيب للسيارات ووسائل النقل المتعددة، لم نشاهد أي رجل أمن يصفر، حضوريا أو غيابيا، عبر أبواق السيارات الأمنية. واللحظة التي حضرنا فيها تواجدا للأمن كانت عندما خرجنا، زوال يوم الأحد، إلى الساحة الكبرى، عندما تقدم أعضاء حزب التجمع الديمقراطي الاجتماعي، الذي تم حله مؤخرا، تقدم شباب وكهول مبتسمين، رفعوا الشعارات قليلا، ثم تحدثوا قليلا، وأعلام بلدهم تركيا ترفرف حمراء نظيفة للغاية. تحرك رجل الشرطة، بتؤدة، تقدموا شبه خجولين. خوذاتهم لامعة، الملاحظة الأساسية أنهم يرتدون سراويل ....طايباص!! كما لو أنهم ذاهبون في حفل آخر السنة. تنذرنا قليلا بالمخازنية عندنا وسراوليهم الخضراء الزيتية، كما لو أنها رسم فنان انطباعي. على كل حال، يمكن لحميدو العنيكري أن يستورد الخياط الرسمي له ولهؤلاء الجنود، في إطار تأهيل اللباس المغربي للقوات المساعدة. ولا شك أنه سيجده في ذلك الشارع الكبير، شارع الاستقلال.