عندما سألني صاحبي ماذا تنتظر من سنة 2010 ؟ كان يريد أن يعرف التوقعات التي أفترض أن تحصل في السنة القادمة. أعرف ان السؤال المتعلق بتقييم الأحداث الثقافية خلال سنة تنصرم يكون بمراجعة محصلتها، كما يكون بالوقوف على أبرز الوقائع الصانعة للتراكم الثقافي، في حين أن التفكير في المتوقع ورسم المأمول والتنبؤ بالأفق القادم يحتاج إلى ملكة البصيرة، وإرادة المتفائل. وبما أنني لا أملك البصيرة التي ترى ما لايُرى بالعين المجردة وبالحدس الخاطف. لا أدعي قدرة على التنبؤ في موضوع الأحداث التي يفرزها فعل التطور في المجتمع، حتى عندما يبنى التنبؤ على قياس اللاحق على السابق، وعلى السببية التي تحمل فيها العلل بعض مظاهر المعلولات. وقد تبينت بعد الحديث السريع معه، أنني أملك القدرة على الحلم. ومن الواضح أن من فضائل الأحلام قدرتها الفائقة على مغالبة الزمن. ذلك أن الأحلام في اليقظة وفي النوم تشكل متنفسا عجيبا للخروج من الذات وتجاوزها، إنها تمنحنا القدرة على الطيران، إنني أحلم بالطيران.. لقد كان الشاعر المصري الكبير صلاح عبد الصبور يجسد في نبوءات، بعض أحلامه، عندما كتب : « ينبئني شتاء هذا العام، ذات شتاء مثله، ذات شتاء، أنني أموت وحدي في العراء ..».. لقد استرجعت عفو الخاطر هذه الأبيات، ولأنني لا أقبل أن أموت في العراء، فقد لجأت إلى الحلم، لعله يمنحني القدرة على بناء ما أرتضيه لنفسي فيما يُستقبل من الأيام؟ لكن الأحلام ، أحلام وكوابيس، وقائع وانفجارات، خمائل ناعمة وصواعق متفجرة..، لنترك الكوابيس، ولنقترب من الأحلام ثم نقول : رأيت فيما يرى النائم، أنني أنهي رواية بدأت في كتابتها منذ ما يزيد عن عشرين سنة، وفي كل مرة كنت أجد المبررات التي التي تحول بيني وبين إتمامها. إلا أن استمرار شغفي بالتخييل ، باللغة يجعلني أواصل كتابتها دون انقطاع..، أذكر أنني قررت ذات يوم في سبعينيات القرن الماضي، أن لا أنتهي من قراءة رواية الصخب والعنف لفولكنر، ومازلت وفيا لعهدي، أقرأ منها صفحات وأعيد قراءة أخرى. فهل أتجه اليوم إلى ارتكاب حماقة إنهاء النص الذي بدأته ذات يوم في زمن مضى؟. وداخل خمائل الحلم الدافئ، واصلت تركيب الجمل والكلمات والوقائع، مرتباً أنماط الحياة بصورة لا تشوبها آثار الزمن. فتبينت في غمرة حماسي لإتمامها أن الرواية تحولت إلى قصيدة، وأصابني ارتياح كبير، عندما لونت الفقرات في الرواية بالصور الموحية في جمل قصار، ثم امتلأت أوراقي شذرات أغلبها غامض، فقلت لعل العودة إلى الكتابة الروائية أفضل من سجن الإيقاع والصور، ولم أستطع التخلص من هذا الموقف إلا بالتوقف عن الكتابة والدخول في حفل راقص. فقد كنت أومن بان الرقص لا يتيح فقط كتابة الشذرات، بل إنه يهبنا القدرة على الشطح.. وشطحات المتصوفة في التاريخ أحسن دليل على أهمية الرقص بالحركات والإشارات ورياضات الجسد المروضة للروح. وفي غمرة الرقص كانت الرواية ما تزال أمامي، وكانت الأبيات الشعرية بجوارها ممتدة فوق بياض الصفحات، وفي الصباح كنت قد استيقظت، وكانت الشمس قد أشرقت، ودخلت مكتبي فوجدت أمامي مشروع روايتي على حاله، وقبل الاستعداد لطقس الكتابة قرأت صفحات جديدة من رواية الصخب والعنف..