على مثال «مرشد الثورة» في «الجمهورية الاسلامية» الايرانية الذي ضاق ذرعا بالاصلاحيين في النظام وأنهى «حياده» بالانحياز للمحافظين ورجلهم الحاكم: محمود أحمدي نجاد، فعل مرشد جماعة «الاخوان المسلمين» في مصر، مهدي عاكف حيدر، الشيء نفسه: بارك إقصاء الرموز الاصلاحية في جماعته واصطف مع المحافظين ورجلهم الصامت / الفاعل محمود عزت. أفرغ المرشد الايراني نظامه السياسي ممن لمعوا قبل عقدين صورة نظامه السياسي في العالم «وطهره» ممن باتوا في حسابه معادين ل «الثورة»، وكذلك فعل المرشد المصري مع من لمعوا صورة جماعته - في العقدين الاخيرين كي «يطهر» الجماعة من أصوات شاذة فيها. كان من حسن حظ الاصلاحيين الايرانيين أنهم وجدوا في طبقة رجال الدين رمزا إصلاحيا مناهضا للنظام ولنظرية «ولاية الفقيه» هو آية الله منتظري لكنهم فقدوا هذا الرأسمال الرمزي الثمين بوفاته قبل أيام. أما في مصر، فلا يملك إصلاحيو «الاخوان» رجل دين من هذه الطينة، لكن من حسن حظهم أنهم يتساوون مع المحافظين في الفقدان فهؤلاء - أيضا - لا يملكون رمزا دينيا ولو متواضع الامكانيات الفقهية مثل مرشد الثورة الايراني، فمرشد الجماعة (الاخوانية) وأمينها العام ناشطان سياسيان في المقام الأول، وهما معا لا يملكان ثقافة حسن البنا وحسن الهضيبي، وسيد قطب، ومحمد الغزالي ويوسف القرضاوي الذين صنعوا ل «الاخوان» وجها فقهيا سياسيا ذا شأن في عالم الاسلام الحزبي، دون أن نتحدث عن رموز فكرية - سياسية اخوانية من خارج مصر مثل مصطفى السباعي (السوري) وحسن الترابي (السوداني)، وفتحي يكن (اللبناني) وراشد الغنوشي (التونسي).. يشبه إقصاء محمد حبيب وعبد المنعم أبو الفتوح في «انتخابات» مكتب ارشاد جماعة الاخوان المسلمين، إقصاء مير حسين موسوي ومهدي كروبي في انتخابات الرئاسة الايرانية. وكما حاولت قيادة النظام في ايران ستر العورة بالحفاظ للاصلاحيين على بعض الوجود، من خلال عدم المساس بمركز هاشمي رفسنجاني على رأس هيئة تشخيص مصلحة النظام، حاولت قيادة الجماعة ستر العورة عن طريق السماح بعضوية الرمز الاصلاحي الجماهيري عصام العريان. وكما كانت المشكلة في ايران تتلخص في إقصاء المرشح الاقوى لرئاسة جمهوريتها (مير حسين موسوي)، كانت المشكلة في جماعة «الاخوان» تتلخص في إقصاء المرشح الأقوى لقيادة الجماعة: محمد حبيب نائب مرشدها. ربما كان عسيرا على المرشد علي خامنئي أن يعمم قراره تصفية الحساب مع الاصلاحيين، بحيث تطال نتائجه رموزا ذات شأن واعتبار مثل هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي. وموطن الصعوبة والاستعصاء في أن الرجلين من وجوه الثورة ورموزها، ومن المقربين لآية الله روح الله الموسوي الخميني، ناهيك عن أنهما تقلدا منصب رئاسة الجمهورية في عهد المرشد الحالي. لذلك، كانت «الحكمة» تقتضي تركهما بعيدين عن إجراءات التصفية، علما بأن تصفيتهما الفعلية ليست شيئا آخر غير إسقاط مرشحيهما (مير حسين موسوي ومهدي كروبي). ولعله كان عسيرا على المرشد مهدي عاكف حيدر - ورجل «الاخوان» «الاقوى» محمود عزت - ان يتعمم قرار تصفية إصلاحيي الجماعة، بالقدر نفسه، فيطال د. عصام العريان أيضا، ذلك أن الرجل يملك شعبية لا يضارعه فيها أحد في قيادات «الاخوان» وهي (شعبية) استحقها بنضاله الحركي النادر والمميز طيلة العشرين عاما الماضية. فلقد سيق إلى السجون والمعتقلات أكثر مما ساقته قدماه إلى عيادته. وفيما كان مرشدو الحركة وأعضاء إرشادها وأكثر أعضاء شوّارها يتمتعون ب «تسامح» النظام المصري معهم، ويتمتعون بالحق في الحركة والعمل وإبداء الرأي والاقامة مع الأهل والأبناء، كان عصام العريان - ومعه عبد المنعم أبو الفتوح - من زوار السجون الدائمين. وما شفع له أنه كان رئيسا لكتلة «الاخوان» النيابية في مجلس الشعب المصري ذات يوم! حين يضع المرء في كفتي ميزان أوضاع الاصلاحيين في إيران وأوضاع نظرائهم في «الاخوان» على سبيل المقارنة والتمييز، وحين يعرض على الفحص النقدي طريقتي الاستبعاد والإقصاء اللتين وقعتا في المؤسستين السياسيتين والدينيتين سيتبين من دون شك مقدار من التفوق الأخلاقي الايراني على الاسلوب الإخواني، فإيران على الأقل وعلى ما كان من شدة في سلوكها تجاه اصلاحيين مثل موسوي وكروبي وابطحي، سمحت لهؤلاء الاصلاحيين في مرحلة سابقة بالوصول إلى السلطة وقيادة البلاد ضمن نطاق الهوامش التي يسمح بها الدستور لرئيس الجمهورية، فكان أن آلت السلطة إلى رجلهم البراغماتي الاول هاشمي رفسنجاني، ثم إلى السيد محمد خاتمي بعده. ولقد مر على ايران حين من الدهر كان حكامها من هذا الحزب والمشرب. حتى أن المرشد وجد نفسه - أمام النصر الانتخابي الكاسح الذي أحرزه خاتمي - مدعوا إلى دعمه والوقوف إلى جانبه في حروب المحافظين ضده، أما في جماعة الاخوان المسلمين، فما كان للاصلاحيين أن يمسكوا بأمر أو يحلوا ويعقدوا في وجود مرشد منحاز إلى المحافظين وغلبة لهؤلاء في «الشورى» و«الارشاد». ومع أن الاصلاحيين أكثر وجوه «الاخوان» جماهيرية وتأثيرا في الناس وحضورا في السياسة والاعلام، وقربا من التيارات الفكرية والسياسية الاخرى، إلا أن قرار جماعتهم ما كان يوما بأيديهم. ربما اكتشفوا متأخرين بأنهم استخدموا لتلميع صورة الجماعة في المجتمع حين احتيج إلى دورهم، لكنهم يدركون اليوم أن أدوارهم تلك قد لا تعود بعد الانقلاب عليهم أو قل بعد أن تبينوا أن إقصاءهم هو القاعدة، طالما أن بيئة السياسة الداخلية في الجماعة لم تتغير، وقد لا تتغير. حين يقصي المحافظون الاصلاحيين في إيران، فذلك فصل من فصول النزاع على السلط الذي قد يجد فيه الأولون ما يبرر لهم أفعالهم (حماية البلاد من اختراق خارجي يتوسل بمطالب الاصلاح الداخلية). أما حين يحصل ذلك داخل جماعة الاخوان المسلمين، فللمرء حينها أن يتساءل عما ستفعله الجماعة لو كانت في السلطة!