ستة أشهر وقد مرت على الانتخابات الجماعية (يونيه 2009) التي عصفت بأوهام العديد من أركان الأحزاب في بلادنا. تزوير واستعمال المال من جهة ونفور وعزوف للمصوتين من جهة أخرى . وأضحت العملية الانتخابية وما رافقها من هرولة نحو المقاعد الوثيرة، جزءا واضحا من عملية أكبر هي عملية عبث السياسي في «أبهى» صوره. تذكروا أنه عندما قرر الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رفع مذكرة للإصلاح الدستوري ، قامت قيامة البعض ، كان أخُفها تلك التي طالبت بتأجيل ذلك الأمر إلى ما بعد إجراء الانتخابات، متذرعين تارة، بأن رفعها حينئذ يدخل في إطار حملة انتخابية «مشبوهة» وتارة بضرورة أخذ الوقت الكافي لتقديم نص «جيد» بعد الإطلاع على مقترحات القيادة الاتحادية....وتشكلت وقتها جوقة بأبطالها وطبولها لمناهضة المبادرة الاتحادية. كيفما كان الحال، يعرف شعبنا أفرادا وحكاما وإعلاميين وقيادات أحزاب، أن الاتحاديين كانوا ولا زالوا وسيظلون ، أجرأ الناس في هذا البلد على المطالبة بإصلاح النظام السياسي برمته ، وأن هذا الإصلاح يمر حتما بإصلاح دستوري، آن الأوان لا للمطالبة فقط بتعديله بل وبإقرار دستور جديد يستجيب لظروف المرحلة الراهنة والآتية. دستور جديد يضع كل إصلاح قطاعي، على السكة الصحيحة ، أكان في العدل أو في الاقتصاد أو التعليم ...، والقيام بعكس ذلك هو خطأ وخطيئة في نفس الوقت. نعم هناك تخوف بل انزعاج اليوم من أصحاب الحال من الكلام عن الدستور الجديد ، وسواء كُتب الدستور بصيغة جديدة أو كان الجديد في تأويل بعض نصوص الدستور الملكي لما هو أفضل ، حسب رأي الأستاذ عبد الله العروي ، فقد بات الخروج من مرحلة الجمود هذه أمرا ضروريا ومستعجلا. وهو أمر ألحت عليه فعاليات مغربية ، سياسية و حقوقية، عديدة بمختلف مشاربها الفكرية والسياسية. بعد ستة أشهر، اختفت الجوقة المناهضة للمبادرة الاتحادية، وخرست ألسن أبطالها ولم نعد نسمع لا طنينا ولا رنينا لطبولها . ومرد ذلك أن أفراد تلك الجوقة، هم أقل جرأة وشجاعة في طرح قضايا الشعب المغربي، وأنهم أكثر جرأة وشجاعة في الجري وراء مصالحهم الشخصية . كذلك هم أفقر الناس في القدرة على الابتكار الفكري السياسي فيما يهم قضايا نظام الحكم في بلادنا والتي هي قضايا شعب بأكمله. والآن وقد مرت الانتخابات الجماعية، بماذا يتذرعون؟ لا شيء. اللهم أن نمط الاقتراع الحالي لم يحقق كل طموحاتهم الأنانية ، وأمام كسلهم الفكري وضعف نفوسهم، لم يجدوا من شعار يرفعونه اللحظة سوى تعديل نمط الاقتراع فقط وعيونهم ، بطبيعة الحال، على انتخابات 2012 التشريعية.فَهُم في هذا الموقف يترفون ، ولا موقف لديهم من إصلاح للدستور ولا يحزنون. هذه هي حقيقة أمرهم. وعندما يطرحون نمط الاقتراع وتغييره، لماذا لا يطرحون، في نفس الوقت ، قضايا المؤسسات النابعة من كل اقتراع ، ودورها ومهامها ؟ أوَ أليست مناسبة لإعادة النظر في الباب الثالث والباب الحادي عشر من الدستور الحالي؟ ترى لو أن الاتحاد الاشتراكي، وفي إحترام تام لبنود الدستور ، مارس حقه بتفعيل مواد الباب الثاني عشر المتعلقة بمراجعة الدستور ، لرأى أبناء شعبنا أن الجبن السياسي يمشي على قدمين ولتعرفوا على مواقف مخجلة لبعض أشباه الساسة الذين ابتليت بهم بلادنا. لقد واكب الإعلام تلك الزوبعة التي رافقت تقدم الإتحاد الاشتراكي بمقترحاته لإصلاح الدستور، ولا زال في قسمه الأكبر يولي اهتماما خاصا بمبادرات الحزب التي قام بها ، وينتقده أحيانا طمعا في المزيد من مبادرات أخرى. وهو بكل تأكيد اهتمام خاص وانتقاد خاص ، ليس انعكاسا فقط لرأي واسع لدى المغاربة بل لقناعة أن الاتحاديين هم اليوم ألأجدر بالدفاع عن تطلعات شعب عظيم ولو في هذا الزمن السياسي البئيس، كما كانوا بالأمس، وعلى امتداد50 سنة ، أقوى السياسيين على مناهضة الاستبداد السياسي رغم القمع والسجون والاغتيال والمحن. إنه قدر حزب آلى على نفسه النضال بالتحام مع جماهير شعبنا ومن أجل تحقيق تطلعات تلك الجماهير نحو غد أفضل ، غد الحرية والديمقراطية.