الحاجة أم الاختراع، والابتكار ليس مقترنا بمستوى ثقافي ومعرفي معين، أو رهين الانتماء إلى طبقة اجتماعية ميسورة أو متوسطة فحسب، كما أنه ليس حكرا على شريحة عمرية بالتحديد، وإنما بات بإمكان حتى الأطفال الصغار ابتكار أشياء من لاشيء، الهدف منها بالأساس تحقيق متعة والوصول إلى فرحة طفولية تُرسم تفاصيلها على محياهم وتكشف عنها أساريرهم من خلال ابتسامة ونظرة فريدة لمن هم في عمر الزهور، قد يعجز آباؤهم عن تحقيقها لهم بفعل قساوة الظروف الإجتماعية وانسداد آفاق العيش في مدينة مليونية، تتضح فيها الفوارق الطبقية بشكل شاسع بين من هم في أسفل الهرم ومن «يحتلون» الأماكن العليا منه! في الوقت الذي ينتظر فيه العديد من الأطفال «تساقط» الهدايا عليهم بمناسبة أعياد الميلاد أو بفعل تزامن الفترة الحالية مع غمرة الاحتفالات بعاشوراء، فإن البعض الآخر لايجد لها سبيلا وأمامه حاجته للعبة يتفاعل معها مخاطبا إياها أو مجسدا عليها السلوكات التي يعيشها يوميا بمحيطه الأسري، فإنه يعمل على ابتكار بعضها من الورق وقطع الخشب والقنينات الحديدية والبلاستيكية... وغيرها. ببعض الأحياء الشعبية الممتدة على امتداد الرقعة الجغرافية البيضاوية، لايمكن ألا يلفت انتباه المارة طفل/أطفال، جعلوا من الأكياس البلاستيكية السوداء التي يتم التوجه في الآونة الأخيرة للقضاء عليها لما تحبل به من سموم وأضرار تهدد سلامة المواطنين، لم يجدوا بدا من معانقتها والالتفاف حولها ما دامت هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لإدخال البهجة إلى قلوبهم ، وذلك بعد ربط جزء من بقنب/خيط يلتف طرفه الآخر على أعناقهم، ليطلقوا سيقانهم للريح، فرحين مهللين، كأنهم أحصنة/جياد تجري في البراري، مع فارق بسيط يتجسد في كونهم يركضون بين ركامات الأزبال والنفايات المتناثرة هنا وهناك، و«الميكة» هي الأكسسوار الرئيسي للوحة اللعب واللهو!