تُعد ُّ الأعلام الوطنية في كافة الدول رمزا من رموز سيادتها، ترفعه فوق مبانيها الإدارية و مقرات وزاراتها في الداخل، كما يرفرف فوق سفاراتها و قنصلياتها في الخارج. و لهذا الاعتبار تحمي القوانين الداخلية الرايات و الأعلام من عبث العابثين و تعاقب كل من تجرأ على العبث به أو إهانته. و في المقابل تعمد بعض الجماهير الغاضبة أو المؤسسات أو الحكومات -في حالات العداء المستحكم- تعبيرا عن الغيض و الغضب الجامحين، إلى وضع أعلام العدو مَداساً للراجلين أو تحرقها تنكيلا برمز العدو أو الخصم . و في هذا السياق شاهدنا غير ما مرة، في الماضي القريب ، حشود المتظاهرين ، في بعض الدول العربية، تحرق العلم الإسرائيلي أو الأمريكي احتجاجا على سياسة الدولتين الواضحة العداء للمصالح العربية، و نِكالا في رمز من رموزهما. بيد أنه لم يحدث أن قامت دولة أو مؤسسة عربية بإحراق علم دولة عربية أخرى و لو تردت العلاقات بينهما إلى الحضيض و بلغ الخصام بينهما أوجَه، بل حتى حينما دخلت دولتان عربيتان في حرب عسكرية ضد بعضهما البعض ، و الأمثلة غير قليلة، لم يحصل أن تم الانتقام بإضرام النار في الراية الوطنية للدولة الخصم. لهذا، فقد كان لغضب اتحاد المحامين الجزائريين، أثناء اجتماع المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب المنعقد في دمشق، ما يبرره حين طالب المكتب الدائم بإصدار«إدانة صريحة» لاتحاد المحامين المصريين الذي نظم اعتصاما بمقره بالقاهرة (عقب انهزام الفريق المصري لكرة القدم أمام نظيره الجزائري بالخرطوم) أحرق خلاله العلم الجزائري ،وهو ما اعتبره الوفد الجزائري فعلا إجراميا بكل المقاييس. و رغم محاولة وفد اتحاد المحامين العرب ، عبر رسالة من رئيسه المصري حمدي خليفة، التنصل من الحادث قائلا أن مواطنا مصريا اندس بين المحامين و أحرق العلم الجزائري و هو ما يتبرأون منه، إلا أن رئيس الوفد الجزائري أجاب متهكما بأن «هذه رواية لا يصدقها أحد». ما يهمنا من هذه الواقعة هو أن المحامين في كافة دول العالم يمثلون النخبة المدافعة عن حقوق الإنسان و المواطن في أي بلد كان ، و التي لا تنساق وراء العواطف الشعبوية و الفئة المحصَّنة ضد الشوفينية و المتمتعة ببعد نظر يحول بينها و بين مثل هذه الممارسات الغوغائية، و لذلك ما كان للمحامين المصريين أن يسقطوا مثل هذه السقطة و لكن مما يخفف منها أن كثيرا من المحامين المصريين قد تبرأوا من هذا التصرف الطائش و الذي لا يليق بالمهنة السامية و لا بالهيأة التي تحتضم مقر اتحاد المحامين العرب.