قررت الصحفية الفرنسية الشابة نادية المركبي من أصول مغربية أن تنتفض لتعبر عن رفضها للصورة النمطية التي أصبحت ملتصقة بالمهاجر بالرغم من أصوله في الديار الفرنسية، سواء كان عربيا من شمال إفريقيا أو الخليج أوالشرق الأوسط، أو من أوربا الشرقية، أو روسيا أو أمريكا الشمالية واللاتينية أو آسيا بكل امتداداتها. فالحقيقة أن كلمة مهاجر في فرنسا تحولت لدى البعض إلى ما يشبه السبة، وأصبحت لديهم مرادفا لكل السلوكات السلبية والمشينة التي تضر بالبلد المستقبل، وتحولت أيضا إلى كلمة «سحرية» تستعمل في سياقات أكثر «سلبية» من قبل بعض القوى السياسية لأجل «تجريم» المهاجر، كما لم تنج هذه الكلمة من «الاستعمال السياسي» الميكيافيلي خلال الحملات الانتخابية التي تحتكم إلى منطق العرض والطلب، والاهتمام المزيد فيه ب«قيمة صوت المهاجر» في الميزان الانتخابي. منذ مدة طويلة لازمت نادية المركبي، هذه المهاجرة من الجيل الثاني، الرغبة في إحداث ردة فعل ضد كل الاحتقار الذي ينظر به إلى الساكنة المهاجرة في فرنسا، فانبثقت في ذهنها فكرة دعوة كل المهاجرين وكذا أبنائهم نساء ورجالا للتوقف عن المساهمة في الحياة الفرنسية في كل مناحيها. لقد استلهمت نادية المركبي الفكرة من المهاجرين ذوي الأصول الاسبانية في الولاياتالمتحدةالامريكية الذين قرروا في الفاتح من ماي سنة 2006 مقاطعة الاقتصاد الامريكي، وإبراز أهمية المهاجر في النسيج الاقتصادي والاجتماعي. مقاطعة وازتها مسيرة شارك فيها مليونا مهاجر جاب شوارع لوس انجليس. وبالنسبة لنادية المركبي ما كان عليها لتجسيد هذه الفكرة إلا أن تنشئ مدونة وموقعا إلكترونيا، وتوجه دعوة على موقع ال«فيسبوك» التي قبلها أزيد من خمسة آلاف منخرط في هذا الموقع لتطلق مشروعها القاضي بمقاطعة فرنسا ليوم واحد. كما أحدثت عشر لجن محلية في عدد من المدن الفرنسية للتهييئ لهذا التوقف عن الزمن الاقتصادي وحظيت بمساندة فعاليات سياسية وثقافية وجمعوية. قرار هذه الشابة البالغة من العمر حوالي 35 سنة الانتفاضة ضد هذا الوضع، الذي حددت له الفاتح من مارس 2010 لتنفيذه، تزامنا مع الذكرى الخامسة لدخول فصول «قانون دخول وإقامة الاجانب وحق اللجوء» حيز التنفيذ، كان سببه الجدال الذي تولد على هامش تصريحات وزير الداخلية بريس أورتوفوه خلال الجامعة الصيفية لحزب التجمع من أجل حركة شعبية. الأكيد أنه في الفاتح من مارس المقبل ستعيش فرنسا بطءا اقتصاديا كبيرا، فدعوة المقاطعة ستمتد إلى التوقف عن عمل المهاجرين من كل الأصول في جميع المجالات العمومية والخاصة ، والامتناع عن فتح المهاجرين متاجرهم التي في ملكيتهم، وذلك لشيء واحد «للقول للفرنسيين إنهم هنا وأن وجودهم ومشاركتهم في الحياة الفرنسية في كل مجالاتها ضرورة وليس ترفا. أما إيريك بيسون، وزير الهوية الوطنية والهجرة فقال بخصوص هذه المبادرة في إجابة له نقلتها «الفيغارو» قبل أيام في زاوية «تالك أورانج»: «إننا لا نخاف الفزاعات التي لا وجود لها» قبل أن يضيف أنه «من غير المجدي اختلاق عداء». إنها المرة الأولى التي سيلتزم فيها المهاجرون من كل الاجناس والأصول والأديان، الذين اختاروا فرنسا موطنا ثانيا لهم، بعدم المشاركة في حياة «المدينة» في كل مجالاتها بالديار الفرنسية، «لن يتوجهوا للعمل لأداء واجبهم، لن يبيعوا شيئا لأحد، لن يتبضعوا أو يقتنوا شيئا من المحلات الفرنسية، ولن يركبوا الميترو والحافلات، ووو... إذ سيعيشون خارج التراب الفرنسي ليوم واحد بل سيهاجرون عكسيا من فرنسا ليوم واحد من أجل التأكيد على أن المهاجر غيرما مرة مد اليد لأجل الاقلاع بالاقتصاد الفرنسي، والمساهمة في غنى وتنوع البلاد، غير أنه غير ما مرة يجازى بغير ذلك ويرد له الصاع صاعين. إن المهاجر، ومن سيسانده في مسعاه من الفرنسيين المؤمنين بما يقدمه من خدمات لبلد الاستقبال فرنسا، سيقول بلا شك: «إني أقاطع الحياة الفرنسية، إذن أنا موجود».