خومية أو جميلة، مدينة صغيرة وهادئة من عمق منطقة مورسية الاسبانية ،قلعة من قلاع إنتاج العنب وعاصمة للخمور بامتياز، حقول الهويرطا الممتدة ، أشجار الاجاص والخوخ على امتداد البصر، حرارة مفرطة صيفا ، وبرد قارس شتاء..حينما تزورها لأول مرة تخال نفسك انك في لحظة ما تعيش في حي من أحياء إحدى عواصم أمريكا اللاتينية الفقيرة: كويتيو أو سان خوسيه أو لباز أو بولي فار..وربما في احد الأحياء الكبرى غير المهيكلة في بعض المدن المغربية ، بحكم التواجد اللافت للوافدين إليها من أمريكا الجنوبية وبشكل خاص من الايكواتور وبوليفيا وكولومبيا .. وللمغاربة أيضا وبشكل خاص من مدن أبي الجعد وبني ملال وسطات وقلعة السراغنة والدارالبيضاء...إضافة إلى فلول أخرى من مهاجري اوريا الشرقية التي فتحت لهم اتفاقية شنغن ذراعيها وفضلتهم عن باقي المهاجرين فأضحوا اسبانيين ولو من الدرجة الثانية ، زيادة على الخيطانوس و الأفارقة والتجار الصينيين.. جريدة الاتحاد الاشتراكي زارت المنطقة بحكم تواجد عدد كبير من مواطنينا بها ، جلهم في وضعية غير قانونية ، يعيشون ظروفا اجتماعية ومادية جد صعبة في انتظار أمل تسوية أوضاعهم ، أمل تلاحقه انعكاسات الأزمة العالمية الحالية، وخرجات الوعد والوعيد الإعلامية التي يطلقها رموز اليمين في اسبانيا وخاصة من الحزب الشعبي المعارض الذي يراهن في المحطات الانتخابية المقبلة على ورقة طرد وترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم الأصلية، والمقصود هنا المغاربة بالدرجة الأولى من طنجة إلى مورسية :حافلات ل «قتل» الأطفال المغاربة من الرباط انطلقت الحافلة في جو صيفي حار قاصدة طنجة للاتجاه نحو مورسية عبر ميناء الخزيرات بداية شهر غشت الأخير، كان ركابها أغلبيتهم مغاربة، لتحط الرحال بالقنيطرة حيث كان ركاب آخرون في الانتظار..جل المسافرين كانوا يناقشون مواضيع مختلفة من قبيل قرب حلول شهر رمضان والدخول المدرسي المقبل بالمغرب وصعوبة الحياة بالديار الاوربية بالنسبة للمهاجرين.. هذه الرحلة القصيرة أثارت الانتباه إلى ظاهرة اجتماعية خطيرة : فقرب الطريق السيار عند مدخل مدينة طنجة أو عند إشارات التوقف الضوئية، يعمل الكثير من الصبية المغاربة من المتشردين، على التسرب إلى أسفل الحافلات قرب المحرك مجازفين بحياتهم من اجل دخول ميناء طنجة ولم لا معانقة ميناء الجزيرة الخضراء، إذا نجحت المغامرة التي قد تنتهي بسحق أجسادهم النحيفة جوعا تحت العجلات ، والغريب في هذه الدراما الاجتماعية أن رجال الدرك وحتى الأمن لم يحركوا أدنى ساكن لمنع أو اعتقال هؤلاء الصبية رغم إعلامهم من طرف السائق الاسباني بذلك والذي كان يفرمل كل مائة متر بقوة قصد إسقاط من تمكن منهم من الالتصاق السفلي بالحافلة..هكذا يغامر جيل جديد من المغاربة من أجل معانقة سراب اسباني لا يعرفون عن حقيقته سوى الاسم المستعار: «الجنة». بميناء «الخزيرات» حركة دؤوبة للحافلات الاسبانية والمغربية لاستقبال ركاب العبارات والسفن المقلة للمغاربة في اتجاه جل جهات قطب الجزيرة الايبيرية: مدريد وكطالونيا وحواضر الأندلس وبلاد الباسك وفلا نسيا ومورسية.. فأغلب المسافرين مغاربة جلهم عمال وتجار والقليل منهم سياح أو في زيارات خاصة لأقاربهم..وحين تصل المحطة الطرقية لهذه المدينة الكبيرة ، ستعيش نفس الأجواء كما هي في الخزيرات : مغاربة هنا وهناك، وخلف المحطة يتجمع المغاربة في جوطية بئيسة يعرضون حاجاتهم المتقادمة والمتلاشية للبيع، تقترب منهم ، تكلمهم فيحدثونك عن همين رئيسيين من همومهم: الأزمة المالية والاقتصادية في العالم واسبانيا تحديدا وحب الوطن ولا شيء غير الوطن.. ومن مورسية تنطلق الرحلة إلى خومية. خومية الملجأ الاجتماعي الآمن للمهاجرين غير الشرعيين ما أن تطأ قدميك مركز خومية بعد أن تغادر الحافلة المكيفة، تلفحك أشعة شمس حارقة ، وقد تبدو لك المدينة بأنها مدينة أشباح لانعدام وضعف الحركة بها مع بعض الاستثناءات لراجلين من دول شمال ووسط إفريقيا وأمريكا اللاتينية ، فالاسبان نادرا ما يخرجون أو يتجولون وقت الظهيرة.. وما بين الظهيرة والمساء كنت اطرح على نفسي نفس السؤال: لماذا اهتمام المهاجرين بتجمعات سكنية صغيرة مثل لووركا وخومية أو مدينة السياسة؟ لقد بحثنا عن المقاربة الجوابية الجوهرية لهذا السؤال عند الكثير من المغاربة ممن التقيناهم في الشارع العام أو في الضيعات الفلاحية الصغيرة أو ممن وجهوا لنا الدعوة في مقهى : فهذا ( ر.م) مهاجر من أبي الجعد أكد للجريدة أن التواجد الكثيف للمغاربة وخاصة الذين لا يتوفرون على أوراق الإقامة بمدينة خومية، مرده المرونة الكبيرة في تعامل السلطات معهم، والى غياب المراقبة الأمنية الاسبانية اللصيقة للمهاجرين كما هو الشأن في المناطق الكبرى، فبخومية فقط البوليس المحلي وليس الوطني ، ولا يخضع المهاجرين بها لمراقبة أجهزة الأمن المركزية ، أما ( م. ر) من ضواحي بني ملال ، فأرجع ذلك إلى ضغوطات المنظمات الحقوقية وممثلي الحزب الاشتراكي العمالي بمنطقة مورسية والمتعاطفين مع المهاجرين بغض النظر عن جنسياتهم وأوضاعهم القانونية أو غير القانونية ... لذلك ومن النادر أن تجد رجال الأمن المحليين يتجولون في الشارع العام ، وحتى إن وجدوا فإما على سياراتهم أو فوق دراجاتهم النارية ، فالمدينة هادئة تماما هدوء الليل. خومية مدينة إكوادورية بوليفية فوق التراب الاسباني بامتياز تعد خومية جزءا من الخريطة الاجتماعية للايكوادور وبوليفيا، ففي جل الضيعات الفلاحية وفي الشوارع والأزقة وفي المقاهي..تصادف الفلول من المهاجرين الإكوادوريين والبوليفيين ، وعكس المغاربة الذين يتنقلون فرادى أو في مجموعات جد صغيرة ومحدودة، فإن المهاجرين مثل هؤلاء من أمريكا اللاتينية، لا يتحركون في اتجاه سكناهم أو مقرات عملهم أو إلى المقاهي إلا بشكل جماعي في مجموعات اقلها من أربعة أشخاص فما فوق، ولا يخالطون المغاربة إلا في حالات جد نادرة لأنهم يفضلون الالتقاء فقط بأبناء عمومتهم من أصول هندية حمراء. وحينما استفسرنا عن هذا العدد الكبير منهم في مدينة صغيرة كخومية، كانت الأجوبة حول هذا السؤال جد متطابقة: فهذا (م .م) من الدارالبيضاء والذي يوجد في وضعية قانونية بإسبانيا منذ حوالي 14 سنة والذي قرر لحظة لقائنا به، التضحية بمنصبه في احدى الضيعات والتوجه لقضاء شهر رمضان بالقرب من عائلته بالمغرب وذلك بعد أن رفض الخيفي أو الباطرون منحه رخصته السنوية. فقد أجاب الجريدة عن نفس السؤال بالإشارة إلى الظرف السياسي الذي تقاطر فيه الهندوراسيون والايكوادوريون والبوليفيون.. على اسبانيا والمتمثل في وصول الحزب الشعبي إلى السلطة ورفض حكومة عبد الرحمان اليوسفي الابتزاز الاسباني من اجل تجديد اتفاقية الصيد البحري مع اسبانيا بشروط ساساتها اليمنيين، بالإضافة إلى أزمة جزيرة ليلى المغربية التي افتعلها اليمين الاسباني ضد المغرب ، حينها قرر خوسيه ماريا اثنار الوزير الأول الاسباني السماح لهؤلاء المهاجرين من الهنود الحمر بالتوافد على شبه الجزيرة الأيبيرية بالتأشيرة فقط دون عقود للعمل مما أدى إلى تقاطرهم بشكل كبير . والأكثر من ذلك ، يؤكد ( ر.ن) من أبي الجعد أن هؤلاء يقبلون بكل أشكال العمل كيفما كانت الأجرة ، الشيء الذي تم على حساب قوت وسكن المئات من المغاربة وخاصة الذين لا يتوفرون على الإقامة فوجد أغلبهم نفسه في الشارع بدون عمل أو مأوى. مغاربة خومية :كابوس الإقامة وضنك العيش يعيش بخومية الصغيرة حوالي 500 مغربي ومغربية أغلبيتهم الساحقة بدون أوراق قانونية، والمحظوظ منهم تزوج من اسبانيات وأنجبوا منهن كتأمين على البقاء والحصول على الإقامة كما هو الشأن بالنسبة للشابين (ك .ع) و( ح.م) وهما معا من إقليمخريبكة. مشكلة هؤلاء المغاربة الجوهرية تتمثل في انتظار فرج تسوية الوضعية وقبلها كابوس الحصول على شهادة السكنى التي تثبت إقامة المعني بالأمر بالمدينة لمدة ثلاث سنوات متتالية مع انتظام تأديته للسكورو، أي التأمين البالغ حوالي 80 أورو شهريا : هذا المبلغ يمثل كابوسا حقيقيا وخاصة بالنسبة للمهاجرين الذين لايتوفرون على عمل بالمرة أو الذين يعملون بشكل متقطع أمام صعوبة تشغيلهم بانتظام بسبب الرقابة التي يفرضها مراقبو الشغل على الباطرونا الفلاحية. ( ك. ش) عامل مياوم مغربي، أكد لنا أنه والى وقت قريب كان الحصول على شهادة السكنى شيئا جد سهل بمبلغ مالي يحدده الوسطاء المغاربة والاسبان ، لكن العملية توقفت بعد انتباه الشرطة اليها والزج ببعض هؤلاء الوسطاء في السجن أو إرجاعهم إلى بلدانهم الأصلية كالمغرب. أما الحصول على عقد عمل في خومية فأصبح من المستحيلات للأسباب الثلاثة الآتية - تعطى الأسبقية في العقود لمهاجري أمريكا اللاتينية الذين يقبلون حتى بنظام السخرة - أن يدلي الباطرون بميثاق شرف يثبت سلامة وضعيته المالية تجاه الابناك والشركات. أن يكون المغربي طالب العقد متوفرا على جميع الوثائق القانونية وفي وضع صحي جيد وأن لايناقش قيمة العقد مع «الخيفي» اوالباطرون. أغلبية هؤلاء المغاربة يضطرون يوميا ولمواجهة أعباء الحياة وخاصة لتغطية مصاريف الكراء الباهظة، إلى الخروج كل يوم انطلاقا من الخامسة صباحا في اتجاه «الموقف» في انتظار «سطافيطات» التي غالبا ما يقودها البوليفيون أو الإكوادوريون، وإذا كان بعضهم محظوظا للعمل في حقول الاجاص والخوخ وباقي الأشغال الفلاحية الشاقة، فما عليه إلا قبول الأجر الزهيد وأحيانا يشترط مالك الضيعة على العمال الفلاحيين المغاربة العمل بدون أجرة لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر إذا رغب فعلا في الحصول على العمل ، وأغلب المغاربة يقبلون بذلك، فليس لديهم أي خيار آخر، هذا ويستغرق العمل تحت أشعة الشمس الحارقة لمدة تسع إلى عشر ساعات متتالية يوميا فيفضلونها على حياة التسكع ليل نهار في مواجهة الجوع القاتل! ومن المغاربة الذين عاينت الجريدة ظروف عيشهم بخومية أن منهم من كان يسكن بيوتا أقرب منها إلى الكهوف وبعضها بدون ماء ولا كهرباء ، مما يعرض قاطنيها إلى صعوبات جمة في الشتاء الممطر والقارس والصيف الحار جدا. وحتى أولائك الذين هم في وضعية قانونية فوق التراب الاسباني ، فقد اضطر بعضهم لإرجاع الشقق التي اقتنوها بالسلف إلى الابناك التي أقرضتهم لعجزهم عن تسديد الأقساط الشهرية جراء الأزمة المالية والاقتصادية بإسبانيا، والكثير منهم عبروا للجريدة عن رغبتهم في العودة إلى بلدهم المغرب، إذا سمحت ظروفهم بذلك بدلا من اليأس الكبير الذي يعيشونه يوميا وتخوفاتهم المقلقة جدا بعد سريان مفعول القانون الإيطالي الجديد ضد المهاجرين الذين هم في وضعية غير قانونية والمتضمن لإجراءات عنصرية لحكومة برلسكوني، مساندا من عصبة الشمال، وهي تتناقض مع شعار أرويا في مجال الثقافة الكونية لحقوق الإنسان ، ومنها الغرامة المتراوحة بين 5 و 10آلاف اورو ، وما يصاحب العملية من ترحيل ومنع التطبيب والتعليم على مثل هؤلاء المهاجرينوأسرهم.. هذه التخوفات لها ما يبررها أمام الحملة الاعلامية المسعورة لليمين الاسباني ضد المهاجرين وخاصة المغاربيين الذين يتمنون صادقين أن يطول عمر حكومة ثاباطيرو التي تجسد بالنسبة لهم أمل تسوية وضعيتهم. هؤلاء المغاربة وعن طريق جريدة الاتحاد الاشتراكي وقفوا على الموقف الحزبي الاتحادي الايجابي من إشكالية الهجرة بدليل اعتبارها ورقة إستراتيجية في نقاشات المؤتمر الوطني الثامن وكل المؤتمرات الاتحادية التي يحضرها بانتظام ممثلو الجالية المغربية بالمهجر، كما تم الوقوف أيضا عند كون الاتحاد هو الحزب الوحيد الذي هيكل فروعه في اوربا لملامسة مشاكل المواطنين المغاربة في الخارج والدفاع عنها في البرلمان وعبر وزرائه الاتحاديين في الحكومة أو من خلال اللقاءات الرسمية و غير الرسمية في الداخل والخارج. للإشارة فقد عبر بعض مغاربة خومية عن استيائهم من تدهور الخدمات المقدمة لهم بالقنصلية المغربية بفلانسيا وافتقارها إلى الأدوات اللوجيستكية والبشرية للعمل من اجل حل مشاكل المهاجرين مقارنة مع القنصليات القريبة جدا منها كقنصلية الايكوادور. هذه صورة ميكروسكوبية لحالة المهاجرين المغاربة ليس في خومية فقط، ولكن عبر جل التراب الاسباني وخاصة الذين لا يتوفرون على أوراق الإقامة القانونية. فما رأي الذين مازالوا يحلمون بالهجرة السرية إلى الفردوس الاسباني المفقود؟