في أول موقف عمومي له حول نتائج الاستفتاء السويسري القاضي بحظر بناء المآذن، والذي نشره على شكل مقال رأي تضمنه عدد الثلاثاء الماضي من يومية «لوموند» الباريسية، أعاد الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، التأكيد على قراءته لمفهوم «الهوية»، المفهوم الذي بادر هو نفسه إلى فتح نقاش كبير حوله، نقاش عمومي في مختلف مناطق فرنسا يُفترض أن تتمخض عنه خلاصات تحدد معنى أن تكون فرنسيا اليوم. كتب نيكولا ساركوزي، بعد التعبير عن عدم معارضته شخصيا لبناء مآذن فوق التراب الفرنسي: « شعوب أوربا شعوب مضيافة ومتسامحة، وهذا واقع منغرس في طبيعتها وفي ثقافتها. غير أنها لا ترغب في أن يتعرض نمط عيشها وذهنيتها وعلاقاتها الاجتماعية للتعكير.. «تجسد الهوية الوطنية الترياق الناجع للوقاية من القبَلية والطائفية. ولهذا السبب، رغبتُ في فتح نقاش واسع حول الهوية الوطنية. علينا أن نجهر بالحديث حول الخطر الصامت الذي يشعر الكثير من الناس، في أممنا العريقة، أنه يهدد هويتهم،سواء كان هذا الشعور صائبا أو كان خاطئا». وعلى غرار الأجيال السالفة، فهم يعرفون أن الانفتاح على الآخر يمثل إغناء. ومع ذلك، فالكلام المنمق المدافع عن المبادئ لا يكفي. ذلك أن الأسئلة التي ستؤطر النقاش حول الهوية الفرنسية من طرف مواطنات ومواطني الجمهورية الخامسة، والتي وجهت لكل الأقاليم، تتضمن قسطا غير يسير من علامات الاستفهام المسائلة لوجود المهاجرين ( الآخر) في التراب الفرنسي ولنظرة المجتمع إليهم. أسئلة سيتولد عنها، بدون شك، منزلق تعريف الأنا عبر المقارنة مع الآخر، تمجيد الذات في مواجهة الغير. أليس هكذا تنبني الشوفينية؟ أليس هكذا يتأسس اعتبار الذات الوطنية أسمى من الذوات الوطنية الأخرى؟ عرض ساركوزي لمقاربته للهوية يجعل المرء يبحث عن التنقيب في ما وراء الكلمات الجميلة، في خلفية الأفكار المُصاغة بعناية فائقة وقاموس أنيق، مع استحضار ما قاله محمود درويش: « ما أكبر الفكرة، ما أصغر الدولة»! مدينة «فيردان»، بكل رمزيتها التاريخية، احتضنت أول جلسة للنقاش العمومي حول الهوية الفرنسية، لتكون خشبة أول انزلاق يتسم بالعنصرية الجلية. وقعت الواقعة يوم فاتح دجنبر. على هامش جلسة الحوار، استجوبت قناة «فرانس 2» المدعو أندري فالونتان، عمدة غوسانفيل، وهو، للإشارة، منتخب تحت يافطة «التجمع من أجل حركة شعبية»، حزب الرئيس ساركوزي، فصرح قائلا، بدون لف ولا دوران، إن نقاشا من هذا القبيل «أكثر من نافع، بل هو ضروري»، مضيفا: «لقد حان الوقت لنقوم برد الفعل وإلا تم ابتلاعنا (...) بيننا اليوم عشرة ملايين من بينهم، عشرة ملايين نؤدي لهم أموالا مقابل عدم أدائهم لأي عمل». بالطبع، الرجل يتكلم عن المهاجرين، عن الآخر الذي يغزو هويته حسبه! هل يتعلق الأمر بمجرد زلة لسان؟ أبدا، فأصدقاء ساركوزي السياسيين يضعون نصب أعينهم الانتخابات الجهوية المقرر إجراؤها خلال شهر مارس القادم، ويسعون بكل ما أوتوا من ديماغوجية إلى استقطاب أصوات اليمين المتطرف المعادي للهجرة والمهاجرين. ولذا، وبدون لف ولا دوران، أعاد صديق ساركوزي السياسي تأكيد نفس المقولة لاحقا، حين سألته إذاعة «إر. تي. إل» حول رأيه في عدد المهاجرين في فرنسا، فأجاب، مع سبق الإصرار والترصد : «أجل، أعتقد جديا أن عددهم كبير بشكل لا يطاق» (كذا). ورغم مطالبة العديد من مكونات المجتمع المدني والهيئات المناهضة للعنصرية من حزب ساركوزي «معاقبة» عمدة غوسانفيل بسبب تصريحاته العنصرية، لم يتخذ الحزب أي قرار تأديبي! «من الخيمة خارج اعوج»، يقول المغاربة. فهل يصلح مقال الرئيس الفرنسي على صفحات «لوموند» ما أفسده صاحبه أندري فالونتان؟..