وسط مدينة الدارالبيضاء بالمغرب يوجد الحمام التابع لجمعية التضامن النسائي، وهو مبنى حديث الطراز يشتمل أيضا على صالون للتجميل وقاعة للتمارين الرياضية. في مكان الاستقبال ترحب الشابة نوال بزبائن الحمام بسعادة لم تكن تعرفها من قبل. فقبل ثلاث سنوات أظلمت الدنيا في وجهها، وتقوضت آمالها في الحياة، بعدما تبين لها أنها حامل، إذ أن كونها حاملا وهي غير متزوجة يعني، كما تقول نوال، «فضيحة كبيرة تمثل أسوأ ما يمكن أن تتعرض له شابة في المغرب». وتضيف نوال أن «الناس هناك يعاملون أمثالها وكأنهن وباء الطاعون». رفضت نوال آنذاك فكرة الإجهاض، رغم العواقب المريرة كونها حاملا بدون زواج؛ فقد طردت من المدرسة، كما أنها كانت مهددة بالسجن لمدة ستة أشهر، لأن القانون المغربي يعتبر العلاقات الجنسية خارج الزواج بغاء. بيد أنه تهيأ لنوال ما يساعدها على تجاوز تلك الظروف القاسية؛ فقد حكت لها الراهبات المسيحيات اللاتي لجأت إليهن عن جمعية التضامن النسائي، ما جعل نوال تعبر عن فرحتها قائلة: «هناك إنقاذي». وبالفعل عملت المساعدات الاجتماعيات في هذه الجمعية عبر اتصالاتهن بالسلطات على تحويل عقوبة السجن إلى عقوبة مالية، كما ساعدن نوال في العثور على غرفة تسكن فيها، وفي تأهيلها بعد الولادة لتعمل في صالون التجميل وكمدلكة طبية، كما يذهب ولدها الآن إلى روضة الأطفال التابعة للجمعية. في هذه الأثناء تُعنى نوال بشؤون الأمهات الشابات اللاتي يأتين إلى جمعية التضامن النسائي وتقول في فخر: «أشعر بأن الجمعية عبارة عن أسرة، وأم هذه الأسرة هي عائشة». وكانت عائشة الشنا تستنتج خلال حواراتها مع هؤلاء الشابات أنهن يردن الاحتفاظ بأطفالهن، بيد أنهن يحتجن إلى دخل منتظم للتمكن من إعالة أنفسهن وأطفالهن، ما حدا بها وبالعاملات معها إلى التفكير في حل تمثل في أن تقوم هؤلاء الأمهات العازبات أولا بما يمكنهن عمله على أفضل وجه لكسب المال؛ أي بالطبخ، والاقتصاد المنزلي. وبالفعل افتتحت جمعية التضامن النسائي عام 1986 في أحد أحياء العمال في الدارالبيضاء، أول مطبخ للأكلات البسيطة في المغرب تعمل فيه الأمهات العازبات فقط. وفي السنوات التالية نفذت الجمعية مشروعات أخرى وفرت لهؤلاء الأمهات دخلا منتظما. وتكريما لجهود السيدة عائشة الشنا من أجل حل مشاكل الأمهات العازبات ومساعدتهن على الاستمرار في الحياة بنجاح، تم منحها في مدينة مينابوليسالأمريكية جائزة أوبوس لعام 2009 التي تبلغ قيمتها مليونا ومائتي ألف دولار، وذلك في أوائل نونبر 2009 . هذا التكريم لهذه السيدة البالغة من العمر الآن ثمانية وستين عاما، والتي لا تزال تقوم بعملها الريادي الشاق لمعالجة آثار نقاط الضعف في مجتمعها، لا يعد تشجيعا للجمعية التي أسستها، جمعية التضامن النسائي، ولا للأمهات العازبات في المغرب فحسب، وإنما يعد أيضا رسالة هامة موجهة إلى الداعين إلى عدم التسامح الديني. يذكر أن هذه الجائزة تُمنح كل عام لإحدى الشخصيات التي تنشط إنسانيا في إطار ديني.