يرى نعمان بن عثمان، القيادي السابق بالجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة والعضو السابق بمجلس شورى الجماعة، والذي توسط في الحوار بين الحكومة الليبية وجماعته المقاتلة السابقة، أن تقسيم العالم إلى دار للإسلام ودار للحرب هو جهد بشري. وفي الجزء الثاني من مقابلته الحصرية مع "الشرفة"، شن بن عثمان هجوما عنيفا ضد هؤلاء الذين يقدمون التبريرات للقيام بتفجيرات في الدول الغربية. كما قال إن أسامة بن لادن "لا يملك ولاية إسلامية شرعية" على المسلمين في الغرب. ويطرح بن عثمان السؤال التالي: بما أن بن لادن ليست له ولاية إسلامية على المسلمين في الغرب، فكيف يمكنه أن يأمرهم بالمشاركة في القتال ضد مجتمعاتهم؟ الشرفة: إنطلاقاً من رفضك لهذه النظرية عن وجود الفسطاطين، لا بد أنك ترفض أيضاً التبريرات التي تُقدّم للقيام بتفجيرات في الغرب على أساس أنه دار حرب يجوز للمسلمين أن يقوموا بتفجيرات فيه؟ بن عثمان: هذا الأمر (التفجيرات) لا يمكن تبريره حتى بقضية انقسام العالم إلى فسطاطين، على رغم أنه أمر غير صحيح. أي شخص غير محارب أو مدني لا علاقة له بالشؤون الحربية والقتالية. هؤلاء لا يُقتلون ولا يُستهدفون في أي مكان كانوا في العالم. المبدأ الإسلامي الصحيح يقول إن أي إنسان، سواء كان مسلماً أم غير مسلم، يهودياً أو مسيحياً أو بوذياً أو سيخياً أو لا علاقة له بالدين، لا يُقتل ولا يُستهدف ما دام لا يقاتل ولا يحارب. هذه هي القاعدة الأساسية، وهي غير متعلقة بقضية الفسطاطين. لكن هناك لبس في شرعية ما يوصف بأنه "الجهاد في الغرب". هذا الأمر في غاية الأهمية، وكثير من الناس ربما لن يروق لهم ما سأقول. لدينا كتلة كبيرة من المسلمين في الغرب. يُقدّر عدد المسلمين في أوروبا الغربية بما بين 20 و30 مليون شخص، وفي الولاياتالمتحدة بما بين 7 إلى 10 ملايين شخص، وبالتالي فإن الرقم سيكون أكبر بمفهوم الغرب الواسع وليس فقط الولاياتالمتحدة وأوروبا الغربية. ولكن وفق وجهة نظر القاعدة ومن ذهب مذهبها فإن هؤلاء كلّهم عليهم فوراً المشاركة في المجهود الحربي والقيام بقتل أو تفجير أي مصالح غربية، حتى ولو كان منفّذ هذا العمل مواطنا ربما ولد في الدولة التي يريد القيام بتفجيرات فيها. السؤال المطروح هنا: من أي منطلق شرعي ترى القاعدة أن لها "ولاية شرعية" على هؤلاء الناس؟ فهم مواطنون ولدوا أو عاشوا في بريطانيا أو أميركا أو كندا أو فرنسا، وصارت هذه أرضهم وبلادهم، وهم يحملون جنسيتها أو أوراقها الثبوتية ويُعاملون فيها معاملة المواطن، لكنهم مسلمون. كما أن هناك في المقابل مواطنون مسيحيون ويهود أو من أديان أخرى أو حتى لا يؤمنون بالأديان أصلاً. فهل يجوز إذن للمسلم أن يخون الناس والمجتمع الذي يعيش فيه والذي هو بلده؟ هل يجوز له الخيانة؟ أم أنه إذا أراد فعلاً أن يحارب فعليه أن يعلن ذلك جهاراً قبل أن يبدأ في القتال، ولا يجوز له أن يغدر بهم أو أن يخونهم، ولا يحق له حتى الاستيلاء على أموالهم، فضلاً عن قتالهم. لقد كان هذا هو منهج الرسول: لا يحق لهم حتى الاستيلاء على أموالهم غدراً. طبّق الرسول ذلك عندما جاءه مسلمون من قريش وبعضهم فرّ بأموال، فأمرهم بأن يُرجعوا الأموال أولاً إلى قريش، ثم يُسلموا ويلتحقوا بالمسلمين. رفض الرسول الحصول على هذه الأموال وكانت قريش تعبد الأوثان، فما بالك بأهل الكتاب؟ ما أريد أن أقوله هو أن المسلمين في الغرب لا جهاد عليهم إطلاقاً. فطالما هم مواطنون موجودون في الغرب لا جهاد عليهم، لأنهم أصبحوا جزءاً من منظومة المجتمع الغربي؛ وبالتالي فإنهم مطالبون بالوفاء بالعهد، وبعدم الخيانة والغدر، والقيام بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة فقط. وهذه كلها لها أصولها في الإسلام؛ فالمسلم في الغرب ليس موجوداً في منطقة حرب، وليس هناك من اعتدى على كرامته، بل إن في كثير من هذه الدول الغربية يتمتع المسلمون بحرية تعبير عن آرائهم أكثر مما هو متاح لهم حتى في بلاد الإسلام نفسها. وثمة نقط أخرى مهمة في هذا الأمر وتتعلق بمن هو صاحب الولاية الشرعية والأمر الشرعي حتى يُعطي إذناً أو أمراً للمسلمين الذين هم مواطنون في الغرب كي يُقاتلوا المجتمع الذي يعيشون فيه؟ "القاعدة" ليس لها جواب على ذلك، وهي لا تملك ولاية على أحد. الصلة الشرعية غير موجودة أصلاً. ليس لبن لادن ولاية على أي شخص لم يبايع تنظيم "القاعدة"، لأن من بايعه فقد رضي مختاراً بأن يكون معه، وعليه أن يلتزم له بالسمع والطاعة. لكن أي شخص يرفضه ولا يتصور أن له الحق في أن يقوم بمثل هذه الأعمال باسم الأمة الإسلامية، فكيف يتصور بن لادن أن له حق الولاية على هذا الشخص فيطالبه بالقتال أو بتقديم الدعم أو الهجرة. كذلك يجب أن يفهم هؤلاء الناس أن المسلمين ليسوا أقليات في الغرب. هم مواطنون. في الغرب مفهوم ال"المجتمعات المحلية" (كوميونتي) وليس أقليات. انتهى زمن الأقليات، وهي لفظ لم يعد يحمل أي معنى اليوم. المسلمون في الغرب جالية محلية مثل الجاليات الأخرى على تنوعها، بل هناك تعددية واسعة في الآراء حتى داخل الجالية المسلمة نفسها. الشرفة: ما هي أهمية "المراجعات" التي تقوم بها الجماعات الإسلامية، علماً أنكم شاركتم في الجهود التي أدت إلى صدور "ا لدراسات التصحيحية حول عقيدة الجهاد والحسبة والحكم" للجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا؟ بن عثمان: المراجعات مهمة، وهي أمر محمود. هناك ست دول أو سبع شهدت هذا الموضوع ("مراجعات" الإسلاميين) وكانت نسبة النجاح فيها متفاوتة. لكن أهمها – في رأيي – هي تجربتا ليبيا والسعودية، لأن الدولة هي من اعتنى بها، وكل واحدة منهما تُكمل الأخرى. التجربة الليبية تتناول كيفية التعامل مع جماعة متكاملة بقيادتها، بحيث أن قيادة الجماعة عندما اقتنعت (بأمر ما) أقنعت بقية الأفراد، ثم تم التأثير على محبي هذه الجماعة أو المتعاطفين معها. أما التجربة السعودية فتعاملت مع أفراد لأن القيادة موجودة في أفغانستان وليس السعودية، إضافة إلى أنها متعددة الجنسيات. واجهت السعودية هذه القضية بأن تعاملت مع أفراد وبدأت عملية إعادة تأهيلهم أو إصلاحهم. وكما هو معروف، خضع قرابة أربعة آلاف شخص أو أنهم يخضعون لهذا البرنامج. كذلك هناك تجربة اليمن، وتجربة ماليزيا، وتجربة ما زالت مستمرة في موريتانيا، وتجربة الجزائر، وتجربة مصر. ولو أُخذت كل هذه التجارب مع بعضها البعض مجتمعة فقد حققنا أمراً إستراتيجياً، وهو أنها أوقفت إلى حد ما الاندفاعة الذي كانت تقوم به "القاعدة" في موضوع التعبئة. فقد أدت "المراجعات" إلى تراجع وتيرة التعبئة التي كانت تروّج إلى أن التيار الجهادي كله متفق مع "القاعدة" على كذا وكذا. لكن المراجعات المختلفة أظهرت أن هناك رموزاً كبيرة من التيار الجهادي ومن الناس الذين شاركوا في تأسيس هذا التيار قبل 25 سنة مضت أو 30 سنة مضت، أصبح لديهم أفكار أخرى، وأخرجوا فتاوى ومراجعات وكتب. وهذا أدى إلى حصول نقاش في داخل التيار الجهادي، وساهم في حصول نوع من التراجع في الاندفاعة. وفي تقديري، "مراجعات المقاتلة" هي إلى حد الآن أفضل ما صدر لأنها مطروحة بطريقة سلفية. ف 400 صفحة من صفحات المراجعات (الدراسات التصحيحية) كانت المقاربة فيها مقاربة سلفية، بمعنى أنها استخدمت نفس المنهج الذي تستخدمه "القاعدة" وأنصارها والتيار الجهادي الذي بات اليوم يُسمى "السلفية الجهادية". "المقاتلة" انطلقت من المنهج نفسه – نفس المدرسة ونفس المفاهيم ونفس الفهم للنصوص ونفس طريقة توجيه الأدلة ونفس المراجع ونفس الشيوخ – ولكنها وصلت إلى أماكن مختلفة عن "القاعدة" في قضايا مهمة جداً. وفي تقديري، ساهمت هذه المراجعات حتى الآن في رجوع كثيرين من الناس عن أفكارهم السابقة، وفي أسوأ الظروف جعلت كثيرين من الناس يتساءلون كثيراً قبل أن يقوموا بأمر ما بعدما كانوا يتصورون في السابق أن الأمور محسومة، وأن كل الناس مؤمنة بفكر "القاعدة"، فجاءت المراجعات لتؤكد أن ذلك ليس صحيحاً.