انتخب رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان أمس الأحد رئيساً للجمهورية التركية من الدورة الأولى للانتخابات التي جرت للمرة الأولى بالاقتراع العام المباشر، ليحصل بذلك على لقب أول رئيس تركي مُنتخب ويحقق حلمه بإقامة "تركيا جديدة" يرى خصومه أنها ستميل إلى الاستبداد والاستقطاب . واستناداً إلى النتائج الجزئية بعد فرز 9 .98% من بطاقات التصويت حصل أردوغان الذي يحكم البلاد منذ ،2003 على 8 .51% من الأصوات، مقابل 38% لمرشح المعارضة أكمل الدين إحسان أوغلي، و8 .9% لمرشح الأقلية الكردية صلاح الدين دمرتاش . وبهذا الفوز ينضم رجل تركيا القوي، الذي يتمتع بقوة جاذبية ويتعرض في الوقت نفسه للانتقاد على نزعته الاستبدادية، إلى مؤسس الجمهورية التركية الحديثة والعلمانية مصطفى كمال باعتبارهما من أكثر القادة تأثيراً في تاريخ تركيا الحديثة . ولم يخف أردوغان أبداً رغبته في وضع يده على السلطة التنفيذية، من خلال تعزيز صلاحيات منصب رئيس الدولة الذي لا يزال حتى الآن منصباً فخرياً إلى حد كبير . ويسعى أردوغان إلى الفوز بفترتين رئاسيتين ما سيجعله في السلطة إلى ما بعد عام 2023 عندما تحل الذكرى المئوية لاقامة الجمهورية العلمانية في تركيا . ويكفل له الدستور الحالي الذي وضع تحت الحكم العسكري بعد انقلاب عام 1980 رئاسة اجتماعات الحكومة، وتعيين رئيس الوزراء وأعضاء أجهزة قضائية كبيرة كالمحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء . وكان نحو 53 مليون ناخب قد تمت دعوتهم إلى التصويت لاختيار رئيس من أحد ثلاثة مرشحين هم: أردوغان ومرشح حزبي المعارضة القومي والاجتماعي الديمقراطي أكمل الدين إحسان أوغلي (70 عاماً)، ومرشح الاقلية الكردية النائب صلاح الدين دمرتاش (41 عاماً) . ولم يتمكن أي من منافسي أردوغان من قطع الطريق عليه خلال الحملة التي اعتمد فيها على حضوره القوي، وانفق ملايين اليورو في اعلاناتها . وكانت السلطات قد أعلنت عن تدابير أمنية مثل حظر بيع وتقديم وشرب المشروبات الكحولية اعتبارًا من السادسة صباح الأحد حتى منتصف الليل، وحظر حمل الأسلحة في المدن والبلدات والقرى باستثناء القوى المكلفة بالحفاظ على الأمن، إضافة إلى حظر بث أي خبر يتعلق بالانتخابات أو نتائجها حتى انتهاء التصويت . وندد مرشح حزبي المعارضة العلمانية التركية احسان أوغلي الأحد بالحملة "الجائرة" التي قام بها منافسه أردوغان . وقال بعد أن أدلى بصوته في أحد مراكز التصويت بشمال اسطنبول: "إن الحملة كانت جائرة وغير متناسبة، لكننا واثقون بحكمة أمتنا" . وأضاف أمام صحفيين "نأمل أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة وحيادية وألا تلقي بظلالها على رغبة الشعب الحقيقية" . أما مرشح الأقلية الكردية دمرتاش الذي جعل من الحقوق والحريات أولويته على أمل أن يقضم أصواتاً من خارج هذه الأقلية التي تضم 15 مليون شخص، لدى الأدلاء بصوته في دياربكر كبرى المدن الكردية في جنوب شرق البلاد: "أياً تكن النتائج نأمل في أن تنتصر الحرية والديمقراطية والإخاء" . واختتم أردوغان الواثق بنفسه جولته الانتخابية بدعوة أنصاره إلى التصويت بكثافة لتوجيه "صفعة ديمقراطية" إلى خصميه . وكان المراقبون السياسيون قد رجحوا فوز أردوغان في أول انتخابات رئاسية تجرى وفق نظام الاقتراع العام المباشر، ما يتيح له مواصلة نفوذه على المشهد السياسي التركي ومتابعة التحولات التي يجريها فيه . ولا يخفي أردوغان نيته تحويل نظام الحكم في البلاد إلى النظام الرئاسي بحيث تتحول الصلاحيات التنفيذية التي كان يمتلكها في منصب رئاسة الوزراء إلى منصب رئيس الجمهورية وهو ما أثار انتقادات كبيرة لدى المعارضة التي اتهمته بمحاولة السيطرة على السلطات التنفيذية . لكن منتقدي أردوغان يحذرون من أن جذوره الإسلامية، وعدم تقبله للأصوات المعارضة سيؤديان إلى إبعاد الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي والمرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي عن مبادئ أتاتورك العلمانية .