•فاطمة بوبكري: مازالت الأقلام لم تجف بعد للحديث عن المباراة التاريخية بين المغرب والجزائر نظرا للوقع الخاص الذي خلفته في النفوس والقلوب، فالأكيد أن المقابلات بين الغريمين الجزائري والمغربي كانت دائما ذات طابع خاص مطبوع بنكهة المنافسة التي تصل إلى أعلى مستويات الضغط النفسي الذي يزيغ في أحيان كثيرة عن سكة الصواب والأخلاقيات الرياضية، هذه المرة ورغم حجم المقابلة وأهميتها التي تدخل في إطار الجولة الرابعة من التصفيات المؤهلة لكأس أمم إفريقيا 2012 المقرر إقامتها مناصفة بين الغابون وغينيا الاستوائية، ورغم ثقل المسؤولية الملقاة على كاهل كل من الفريقين المغربي والجزائري وأهمية الفوز بالنسبة لكليهما، إلا أن المنافسة والاحترافية والمؤهلات العالية كانت سيدة الموقف وحسمت للأقوى والأجدر بالفوز الذي كان مستحقا عن جدارة واستحقاق فكانت الغلبة للفريق الوطني التي كانت أهدافه بردا وسلاما على الفريق الجزائري الشقيق الذي عبر هو الآخر عن احترافية عالية في تقبل الهزيمة والاعتراف بنواقصه داخل ملعب المباراة التارخية بامتياز، تاريخية ليس فقط على مستوى المنافسة والنتيجة المحصل عليها، تاريخية لأنها ضربت عرض الحائط كل الحزازات والتشويشات التي طالما نالت في الكثير من الأحيان من رزانة وصواب الشعبين ليدخلوا في متاهات نحن في غنى عنها، هته المرة كان الشعبان أكثر ذكاء وتحضرا وهذا ما عبر عنه المواطن الجزائري عبد القادر يدري المقيم بهولاندا عندما أتى إلى المغرب لحضور المباراة وهو يعبر عن فرحه العارم بتواجده بالمغرب الذي اعتبره موطنه الثاني لفرط حرارة الاستقبال والترحيب التي حظيت به كل جموع الوافدين الجزائريين، ناهيك عن افتتانه بحسن التنظيم الذي احتضنه الملعب ومدينة مراكش ككل، كلها أشياء يقول عبد القادر غرست الحب والطمأنينة في قلوب كل الجزائرين وجعلتهم يشاركون المغرب الفرحة، فرحة التي تنزهت عن كل ماهو رخيص لتشتد اللحمة بين الشعبين، ولولا يقظة الجمهور الجزائري يستطرد عبد القادر، لكانت لما أسماها ب "مناوشات" الجمهور المصري الذي حاول خلق البلبلة بين الفريقين المتبارين لاتخذت المباراة منحى آخر غير محمود العواقب، لكن الفريق الجزائري يقول عبد القادر ارتكب أخطاء منهجية أثناء المباراة وافتقد لمنهجية محكمة في اللعب، واعتبر أن الفريق الجزائري كان مغيبا داخل الملعب وهذه حقيقة يجب الاعتراف بها أمام الاحترافية التي أبان عنها الفريق الوطني فكانت الفرحة واحدة ومشتركة رفرفت فيها الرايتان المغربية والجزائرية في الفضاء المراكشي الذي شكل عرسا فرجويا وحضاريا غاية في الرقي والسلام لامجال فيها لرابح أو خاسر بل التطلع المشترك لغد أروع في مجال العلاقات بين البلدين قد تصنعه الكرة وتفشل فيه الديبلوماسية. ولفرط حبه وتعلقه بهذه الأجواء الحميمية أكد عبد القادر ل "المنعطف" أنه مدد مدة تواجده بالمغرب على أساس العودة القريبة كلما سمحت الظروف إلى ذلك لأن المغرب بالنسبة إليه وطنه الثاني الذي يرتاح فيه أيما ارتياح. إن مشاعر فياضة وصادقة كهذه لمن شأنها أن ترقى وتنأى عن كل ماهو كدر قد يشوب صفاء الروابط المتينة بين البلدين، وقد نجحت كرة القدم في الكشف عن ما هو مضمر في نفوس الشعبين الشقيقين من تضامن وتآخ فهي بحق وعلى غرار ما قال ماركس أفيون الشعوب الذي أثبتت مباراة مراكش فيه أنها قادرة على تحقيق ماصنف ووصم بالاجترار والمد والجزر في سماء العلاقات بين البلدين، كرة القدم إذن وبالأخص مقابلة مراكش صنعت التاريخ من جديد ليس فقط الكروي والفرجوي، إنما أيضا السياسي الشعبوي الذي حرر المشاعر من القيود الضيقة لحسابات الساسة.