كسرت رسالة الأمين العام الأسبق لجبهة التحرير الوطني في الجزائر، عبد الحميد مهري، التي وجهها للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، حاجز الرتابة الناتجة عن الافلاس الواضح للسلطة والمعارضة معا، وتخبطهما في التعاطي مع رياح التغيير والحراك السياسي الذي يميز الشارع الجزائري منذ تحرك الرمال تحت أقدام بن علي ومبارك في تونس ومصر. الرسالة اعترفت لبوتفليقة بأن النظام السياسي الذي يحكم الجزائر هو من صنع كل من مارس المسؤولية منذ الاستقلال الى الآن وليس من صناعته وحده، لكنها حملت الأخير مسؤولية كبيرة على افلاسه خلال السنوات الأخيرة، وعجزه عن تحقيق طموحات الشعب الجزائري والتكفل بانشغالاته واستشراف مستقبله، وأشار الى ذلك بالقول: " لكنك اليوم، بحكم موقعك، تتحمل، ومعك جميع الذين يشاركونك صنع القرار، مسؤولية كبيرة في تمديد فترة هذا الحكم الذي طغت، منذ سنين، سلبياته على إيجابياته، ولم يعد، فوق هذا كله، قادرا على حل المشاكل الكبرى التي تواجه بلادنا، وهي عديدة ومعقدة، ولا قادرا على إعدادها الإعداد الناجع لمواجهة تحديات المستقبل، وهي أكثر تعقيدا وخطورة ". الأمين العام الأسبق لجبهة التحرير الوطني عاد في رسالته الى الانحراف عن بيان أول نوفمبر 1945 واللجوء بعد الاستقلال الى سياسة الاقصاء والتهميش مما ادى الى ما اسماه " عزوف آلاف المناضلين عن العمل السياسي وانكماش القاعدة الاجتماعية لنظام الحكم وتضييق دائرة القرار في قمته "، هذا علاوة على تراكمات الماضي الكفاحي الصعب والاقتباسات التي لم ينضجها النقاش الحر في اشارة من مهري الى استيراد المشاريع السياسية المعلبة من دون العودة الى رأي الشارع وموقفه من تلك المشاريع. وبدل الانتهاء الى تقييم نقدي موضوعي يقول مهري " تنتهي الى حملات التمجيد أو التنديد المفصلة على مقاس الأشخاص، وتلوين العشريات بما يكفي للتستر على طبيعة نظام الحكم وممارساته، ولونه الدائم الذي لا يتغير بتغيير الأشخاص ". وأكد عبد الحميد مهري بأن الأصوات المطالبة بتغيير هذا النظام، والحريصة على أن يتم هذا التغيير في كنف السلم والنقاش الحر، كثيرة، والنذر التي تنبه لضرورة هذا التغيير ظاهرة للعيان منذ سنوات عديدة، ولكنها تجمعت، في الأشهر الأخيرة، بقدر لا يمكن معه التجاهل أو التأجيل. وأضاف: "إن الأحداث التي تقع عندنا باستمرار، والتي تقع حولنا منذ أشهر، تذكر بمثيلات لها عرفتها بلادنا في شهر أكتوبر سنة 1988، وعرفت ما انجر عنها من أحداث جسام وأزمات، ومآس ما زال الشعب يتجرع، بعض كؤوسها المرة ". في اشارة منه الى تشابه الأحداث والأوضاع بين ما يحيط بالجزائر وبين احداث أكتوبر 1988، عكس ما يحاول البعض نفي أوجه التشابه. وحذر مهري من مغبة التجاهل المتعمد من طرف الخطاب الرسمي للحراك الذي يسود الشارع الجزائري، ومن التهوين الذي يمارسه رسميون كبار في الحكومة والطبقة السياسية من الأخطار التي تهدد الاستقرار في الجزائر بالقول: " ان الخطاب الرسمي، في مستويات مسؤولة، يخطئ، أو يتعمد الخطأ، في قراءتها، ويهون من تأثيرها، وينكر دلالتها السياسية الكبرى بدعوى أن المطالب المرفوعة من طرف المتظاهرين لا تتضمن أي مطلب سياسي. وغرابة هذه القراءة والتحليل تتجلى عندما نتصور طبيبا ينتظر من مرضاه أن يكتبوا له وصفة العلاج!". واستدل على ذلك بكون مثل هذه القراءة الخاطئة من عدة أطراف، وسوء القصد من أطراف أخرى، هي التي حالت، مع الآسف الشديد، دون استخلاص الدروس الصحيحة من حوادث أكتوبر 1988، ومكنت أعداء التغيير، إذ ذاك، من العمل المخطط لسد السبل المؤدية للحل الصحيح، وهو الانتقال لنظام حكم ديمقراطي حقيقي. وهو ما أضاع على البلاد، في رأيي، فرصة ثمينة لتجديد مسيرتها نحو التطور والتنمية السليمة. ويرى مهري بأن الطرح المذكور يتكرس بالتركيز على أوجه الخلاف بين ما يجري في عدة اقطار عربية على غرار تونس ومصر، وبين ما يجري في الجزائر . وأكد أن ظاهرة الانتحار بالنار فيها ما عميق وخطير يكشف زيف الديمقراطيات التي تطبقها الأنظمة العربية بما فيها الجزائر، وسياسة الاقصاء والتهميش التي تشترك فيها تلك الأنظمة تجاه فئات عريضة من مجتمعاتها، وهو الأمر الذي يفاقم حسب- مهري- روح الانتقام والغضب واعتبار كل ما يمت لنظام الحكم أو يصدر عنه غريبا عنهم أو معاديا لهم، وعندما تضاف لهذه الأرضية الغاضبة وطأة الصعوبات الاقتصادية، سواء كانت ظرفية أو دائمة، تكتمل شروط الانفجار، ويضيف مهري بان النظام الحاكم في الجزائر خان مبادئ الثورة الجزائرية وتوجهاتها القائمة على النزاهة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. واعتبر مهري ان الحل يكمن في جهد شامل ومنظم من أجل ارساء نظام حكم ديمقراطي حقيقي قادر على حل مشاكل البلاد وإعدادها لمواجهة تحديات المستقبل، ويخرج الفئات الاجتماعية العريضة من دائرة الإقصاء والتهميش إلى مصاف المواطنة المسؤولة الفاعلة. وأكد " إن التغيير الحقيقي لا يأتي نتيجة قرار فوقي معزول عن حركة المجتمع وتفاعلاته. بل إنه من الضروري إنضاج عملية التغيير وتغذيتها من المبادرات المتعددة التي تنبع، بكل حرية، من مختلف فئات المجتمع ". واعتبر مهري ان العملية تتطلب المرور أولا بالإسراع بإزالة كل العوائق والقيود، الظاهرة والمستترة، التي تحول دون حرية التعبير أو تحد منها. وتوفير الظروف الملائمة لتمكين التنظيمات والمبادرات الاجتماعية لشباب الأمة وطلبتها وإطاراتها ونخبها، في مختلف القطاعات والاختصاصات والمستويات، من ممارسة حقهم الطبيعي والدستوري في التعبير، بجميع الوسائل والطرق القانونية، عن مآخذهم ومطامحهم وآرائهم واقتراحاتهم. وثانيا بالدعوة لازدهار المبادرات الشعبية النابعة من صميم المجتمع والمساندة لمطلب التغيير السلمي، حول صيغ تتمحور حول فتح ملتقيات للحوار تجمع في مختلف المستويات، ومن مختلف التيارات الفكرية والسياسية، ووضع أفواج للتقييم تضم في مختلف المستويات، ومن مختلف التيارات الفكرية والسياسية عددا من المختصين أو المهتمين بقطاع معين من النشاط الوطني للاضطلاع بتقييم موضوعي لما أنجز فيه منذ الاستقلال وتحديد نقاط القوة والضعف فيه ورسم آفاق تطويره. وتجنيد المجتمع ضد الفساد والرشوة ومهمتها هي إقامة سد في وجه انتشار الفساد والرشوة بتوعية فئات المواطنين المعرضين لابتزاز المرتشين في مختلف المستويات وتكتيلهم للالتزام بموقف قاطع ورفع شعار" لا ندفع خارج القانون ". على أن ينتهي الحراك حسب- مهري- بعقد مؤتمر وطني جامع يتولى تقييم نقدي شامل لنظام الحكم وممارساته في مراحله المختلفة منذ الاستقلال، وتحديد المهام والوسائل والمراحل الكفيلة بإرساء دعائم الحكم الديمقراطي ودولة القانون. واتخاذ الإجراءات الكفيلة بإخراج البلاد، نهائيا، من دوامة العنف التي تعصف بها منذ عشرين سنة، والناجمة عما أسماه بمحصلة الأخطاء التي ارتكبتها بعض الحركات الإسلامية وسلطات الدولة معا في معالجتها. والاتفاق على أرضية وطنية تبلور التوجهات الكبرى لآفاق التنمية الوطنية الشاملة، وإعداد البلاد لمواجهة التحديات التي تمليها المتغيرات العالمية، وكذا أرضية أخرى توضح ثوابت السياسة الخارجية وخطوطها العريضة، وفي مقدمتها تحديد الخطوات الكفيلة بتحقيق الوحدة بين أقطار المغرب العربي.