نقارب المحرمات لتعرية سلطة الدين والجنس والسياسة فريدة بليزيد من المخرجات العربيات الرائدات في مجال الإخراج، والأكثر انشغالا بهموم المرأة وقضاياها. تسعى دائما إلى تعميق رؤيتها للفن والإبداع من خلال إطلالتها على حركات المجتمع وسكناته، وتحريك الكاميرا في الاتجاه الصحيح انطلاقا من أسلوبها السينمائي المتميز. مسكونة بحب طبنجة وفضاءاتها الساحرة. كان اللقاء معها بفاس على هامش ملتقى القصة القصيرة الذي نظمته "جمعية الإبداع النسائي" تحت شعار׃ الإبداع لا جنس له. الفنانة والمبدعة فريدة تعمل إلى جانب الإخراج كاتبة سيناريو لعديد من الأفلام. اللقاء معها سهل وممتع. تستقبلك بابتسامتها الطفولية البريئة و بساطتها النادرة في شخصيات من هذا الحجم.. في قاعة العرض كانت الأجواء دافئة رغم صقيع فاس المسائي البارد، حيث تدور أحداث فيلم( ماروك) بكل صخبه ولقطاته(الحارة جدا)، وفي إحدى زوايا المركب الثقافي، كانت الجلسة هادئة وكان هذا الحوار...
- أستاذة بليزيد، نعرفك من خلال إنتاجا تك وما كتب عنك في الخارج( المشرق وأوربا تحديدا)، ماذا عن فريدة الإنسانة؟ - فريدة...فنانة، أعمل كمخرجة، أعيش حياة عادية، أعلم وأتعلم من الناس ومن الحياة...عادية...( تضحك) - نعرف أن الفيلم الذي عرض بالمناسبة، كان اسمه في البداية" الحياة البائسة لخوانيطا ناربوني". لماذا تغير إلى "خوانيطا بنت طنجة"؟ - لسبب بسيط، كي يسهل تداوله بين الناس. وهو ما حصل بالفعل. - كيف تنظرين إلى السينما النسائية بالمغرب؟ - السينما النسائية كنظيرتها ( الذكورية) قائمة الذات، وهناك الآن ما يناهز (12) مخرجة تعملن في صمت من أجل السينما وإبراز قدرات المرأة وأيضا للدفاع عن قضاياها وحقوقها وتحقيق المساواة بين الجنسين عبر تنمية قدراتهن. - معنى هذا أنك تؤمنين بأن الإبداع نسائي ورجالي؟ - أنا لا أقول ذلك، فالإبداع لا جنس له، ولكن كما الرجل يدافع عن حقوق الرجل، فالمرأة أيضا من حقها أن تدافع عن حقوق المرأة، لكن في إطار التكامل . - عندما نتكلم عن المخرجات العربيات، يطفو على السطح اسمي فريدة بليزيد وإيناس الدغيدي الأكثر إثارة للجدل في العالم العربي... - ..( بيني وبينك) لم يسبق لي أن التقيتها . لكن هي تعمل بطريقتها وأنا بطريقتي، لها طريقتها في العمل ولي طريقتي، لها حياتها ولي رؤيتي الخاصة بي كذلك. لكن ، أحترمها وأحترم فنها. - شاركت كعضو في لجنة التحكيم بمهرجان القاهرة السينمائي إلى جانب كل من دريد لحام والممثلة القديرة إلهام شاهين.هل هي المرة الأولى التي تشاركين فيها في لجنة التحكيم؟ - ليست المرة الأولى طبعا، لقد سبق لي أن شاركت في عدة مهرجانات كعضو في لجنة التحكيم منها مهرجان القاهرة الدولي الأخير للفيلم و في مهرجانات كبرى كمهرجان قرطاج بتونس، ومهرجان خريبكة، و فلنسيا (إسبانيا) ...وفي أول مهرجان وطني بالمغرب. إضافة إلى مهرجانات أخرى في دول متعددة. - كيف ينظر المصريون هناك إلى السينما المغربية؟ - السينما المصرية هي قيدومة السينما العربية بدون شك، لكن صناعة السينما في المغرب العربي أصبحت قوية في السنوات الأخيرة. و بدأت تخطو خطوات حثيثة نحو الطليعة في العالم العربي سواء من حيث الكم أو الكيف. في المغرب نجد موجة من المخرجين الشباب تكونوا في مدارس أوربية في الغالب، استغلوا هذا الانفتاح السياسي الذي خول لهم حرية أكبر في الإبداع، وأصبح إنتاجهم مقبولا ومهما. و هذا يعرفه المصريون بالتأكيد. - هل السينما المغربية تعكس تفكير مخرجيها كما يقول الناقد السينمائي المغربي(محمد خروبي)،أم يمكننا القول بأن هناك مدرسة سينمائية مغربية؟ - أغلب السينمائيين المغاربة تخرجوا من مدارس أوربية وتحديدا فرنسا وبلجيكا و القليل من أمريكا وأوربا الشرقية كعبد القادر لقطع مثلا الذي تأثر بالواقعية الإشتراكية. لكن أغلبهم يحاول مقاربة ما يعرف بالمحرمات الثلاث ( الدين –الجنس-السياسة). وهي محاولة ملفتة لتعرية السلطة بمعناها الشمولي( الحكم- التقاليد- الأعراف) التي تجعله يشعر بالمراقبة الذاتية، وبذلك يراقب نفسه دون حاجة إلى رقيب. الآن تخلص السينمائي المغربي من الرقابة الذاتية، وأصبحت المخرجة على الخصوص تتطرق لموضوع المرأة بشكل أعمق ومختلف عن السابق. - المنتوج السينمائي المغربي يتجه تحديدا إلى أوربا وبعضه القليل إلى أمريكا.أين السوق المشرقي من كل هذا؟ - حينما كنت في مصر، تطرقت مع الزملاء والزميلات إلى هذا الموضوع، وقالوا أن العائق هو صعوبة اللهجة. وهذا هروب إلى الأمام فقط. قلت لهم ׃ لقد فهمنا لهجتكم، فلماذا لا تفهموا لهجتنا؟. الآن مع الفضائيات لم يعد مقبولا مثل هذا الكلام. اللهجة الخليجية لم يكن يعرفها أحد هنا . لكن بفضل القنوات الفضائية، أصبح الناس يفهمونها. فلماذا اللهجة المغربية فقط مستعصية على الفهم؟ - يقول( نيل هولا ندر) أن هدف الفيلم في أمريكا هو الترفيه، بينما في أوربا لازال يحتفظ بوظيفته الثقافية والتربوية. هل أنت مع هذا الطرح؟ - الأفلام المغربية تجمع بين جميع هذه المكونات، لذلك تلقى نفس الإقبال في الولاياتالمتحدةالأمريكية كما في أوربا، ولكن ليس لنفس السبب. فالأوربيون يعتقدون أنهم يعرفون شمال إفريقيا فيتعاملون مع إبداعها السينمائي بأفكار مسبقة، بينما الأمريكيون أكثر انفتاحا وتقبلا..إجمالا ، هناك إقبال كبير على المنتوج السينمائي المغربي في اوربا. - ما هي في نظرك، العوائق التي تقف أمام تطور السينما النسائية بشكل خاص والمغربية بشكل عام ؟ - هناك مشكل التوزيع بالدرجة الأولى و القرصنة. بالإضافة للقاعات المتقادمة، التي لم تعد صالحة في غالبيتها لعرض الأفلام بطرق حديثة. هناك أيضا غياب الدعم، وكذلك النقص في الدعاية بالمقارنة مع الدول الأوربية. تصور في أوربا مثلا، الميزانية المخصصة للدعاية تكاد تناهز الميزانية المخصصة للإنتاج. وهذا عنصر مهم للغاية في نجاح الفيلم. - هل ترتاحين للعمل التلفزيوني أم السينمائي؟ - في الحقيقة أرتاح للعمل السينمائي، فهو يحتاج إلى إبداع حقيقي، بينما الإنتاج التلفزي مثل (كوكوت مينوت). ينضج بسرعة وينساه الناس بنفس السرعة أيضا. على خلاف العمل السينمائي الجيد، يبقى راسخا في أذهان المشاهدين. - مبدعو طبنجة ( فنا وأدبا) يصورونها كمدينة للغواية، هل هو ظلم للمدينة أم تعبير عن واقعها فعلا ؟ - طنجة فيها ( كلشي)، السحر ،الجمال، الغواية، الفقر، الغنى. ربما بعض الأعمال الأدبية، ومنها أعمال شكري، وكذلك بعض الأفلام المغربية والأجنبية التي صورت في المدينة، أعطت هذا الانطباع لدى الناس. أما واقع مدينة طبنجة، فهو شيء مختلف تماما. هي مدينة المتناقضات والاختلاف من جهة، والتعايش بين الناس بكل أطيافهم من جهة أخرى. هذا هو حال طنجة، وهنا يكمن سر جمالها. - لقي فيلمك الأخير( خوانيطا بنت طنجة)نجاحا كبيرا في فرنسا، وشاركت به في مهرجان القاهرة الدولي. والآن في هذا اللقاء الإبداعي للنساء. ماذا تقولين لنا عنه؟ - شاهدت الفيلم.....هل أعجبك...(تضحك)...؟ - نعم ،هو فيلم جميل، وأعجبني كثيرا. لكن أريد أن أسمع منك أنت... - الفيلم باختصار وكما كما شاهدت، عن رواية للكاتب الإسباني( أنخيل فاسكيس) وفوجئت بترجمته إلى العربية(لعزيز الحاكم). وقد جاء نتيجة لتعاون مغربي –إسباني على مستوى الإنتاج، وكتبت له السيناريو بتعاون مع إسباني كذلك (خيرالدوييليوث). في حين قامت بدور البطولة وجوه فنية من المغرب، فرنساوإسبانيا. الفيلم يحكي قصة سيدة مجتمع من أم إسبانية وأب إنجليزي. ولدت وعاشت في طنجة خلال فترة السيطرة الدولية على المدينة. بعد الاستقلال، رفضت مغادرتها وفضلت البقاء في طنجة المغربية. وهو يؤرخ لفترة حاسمة من تاريخ المغرب. مغرب ما قبل الاستقلال وما بعده. يتطرق كذلك للتغيرات التي عرفتها الطبقات الاجتماعية في بداية القرن العشرين، مع ما صاحب ذلك من انهيارللقيم الأخلاقية ، وتخلي الناس عن بعض الموروث الاجتماعي الأصيل، كالحياة الأسرية الجماعية وطغيان الفردانية المتناقضة مع تقاليدنا. وهذا ما جعل بطلة الفيلم ( خوانيطة باربوني) التي عاشت جميلة وغنية، ثم فقيرة ومنعزلة بعد موت أفراد أسرتها أو رحيلهم. وأصبحت خادمتها المغربية ، بعد أن تحسنت أحوالها المادية السند الوحيد للعجوز الإسبانية- الإنجليزية. الفيلم كذلك يصور بالدرجة الأولى قيمة التسامح بين الأفراد، رغم الاختلاف الديني واللغوي والعرقي. لذلك كما قلت وأكرر طنجة مدينة التعايش والانصهار بين الثقافات مهما اختلفت. - الفيلم ينطق بأربع لغات( الفرنسية- العربية – الاسبانية- الانجليزية) ألا يعتبر هذا عائقا أمام المشاهد؟ - الترجمة تسهل الأمور.عربيا، أعتزم دبلجته إلى الفصحى ليتسنى عرضه على الشاشات العربية كلها.
*حاورها : ادريس الواغيش بفاس / المغرب نشر بمجلة عشتروت اللبنانية العدد : 31- 32 / 2007