تقديم 1 الثابت في مفهوم الوطنية هو ذلك الإحساس الرباني الرائع الباطني بالانتماء لبلد ما ، وهذا الانتماء المشحون بكم من العواطف النبيلة التي تضع الوطن فوق كل اعتبار ، وتجعل للحياة معنى وهدفا ، ولا يسعى الإنسان من وراء هذه الإنسانية الكبرى السامية سوى الاعتراف و الاحتماء بهوية مقدسة .وللحفاظ عليها يكون مستعدا للتضحية بكل غال ونفيس . وهذا المفهوم الكبير الشامل هو ما جسدته السينما خلال عقود خلت بكل أمانة وبمزيد من الشحنات العاطفية المتأججة . فالثابت في الوطنية هو الإطار العام الذي تتحرك فيه وضمنه الوطنيات الصغرى المتحولة الفرعية والقائمة بالذات داخل المنظومة الكبرى للوطنية الشاملة الأم...وهكذا عندما يعالج المبدع السينمائي قضية صغرى مهما تبدو بسيطة وهامشية و تنتمي لمجال رياضي أو اجتماعي أو غيرهما فهو في الحقيقة يلامس فرعا أساسيا ممتدا ومكونا للمنظومة الشاملة للوطنية الثابتة، وبالتالي يكون تناول أي فرع من فروع الوطنية المتعددة هو تناول بشكل غير مباشر للوطنية الثابتة الكبرى في كمالها المطلق .كما أن الوطنية تصبح مرادفة للإنسانية أو مساوية لها عندما يتفاعل مخرج ما إبداعيا مع قضية أمة أخرى أو شعب آخر فيجسد معاناته بشكل دقيق يسحب به تعاطف العالم بشكل مثير. أفضل ألف مرة من أفلام أهل البلد فيكون المخرج بذلك قد عانق وطنية غيره وتبناها لتصبح جزءا منه وهذا هو حال عدد من الأفلام الدولية التي تطرقت لمآسي الشعوب المقهورة في العالم ككل وقد برع في دلك عدد مهم من المخرجيب أمثال كبولا وكاميرون وفليني وغيرهم...وهذا المفهوم هو الذي سأسعى إلى تبنيه وها نحن اليوم نقف على تحول نوعي في هذا المفهوم ، الذي أصبح متعددا ومتفرعا دون المساس بالجوهر الشمولي الثابت للمفهوم ، بمعنى أن مفهوم الوطنية خرج من حيزه الضيق الثابت إلى مجالات وحالات أرحب تحولت و تشعبت طرقها لكنها اتفقت في توخيها إعادة التوازن والارتياح النفسي مع الشعور بالأمان في حضن الهوية الوطنية الثابتة. .وهذا التحول الذي سأفصل فيه سيتجاوز مجال الوطنية ليلامس الفاعلين السينمائيين والتصور المتعدد للوطنية الإبداعية وآليات تفعيل و وقياس هذه الوطنيات .
تقديم 2 إن التحولات الجذرية التي شهدها العصر الحديث جعلت المثقف العربي يغير الكثير من قناعاته السابقة, وزوايا نظرته للأشياء وكذا آليات التعامل مع الإبداع, وبالتالي أصبح يعيد النظر في كثير من هذه الإبداعات بتنوع مجالاتها, فلا شك أن الأنماط الغنائية والموسيقية مثلا شهدت تحولات كما وكيفا وانفتحت على مجالات عالمية شكلا ومضمونا. .والشعر شهد ثورة حرة تمردت على القيود الشعرية التقليدية نسبيا , فتسامحت فيها مع الانفتاح على الطرق الغربية للتعبير بدليل التأثير الإليوتي على عدد من الشعراء, بل حتى القراءة النقدية للشعر القديم تغيرت ،وما كتاب صلاح عبد الصبور: قراءة جديدة لشعرنا القديم ، سوى نموذج على ذلك, وفي المغرب نجد عبد الفتاح كليطو في أدب الغرابة لم يساير النمط القرائي التقليدي على غرار عدد كبير من الأدباء . والمسرح والرسم والرقص وكل الفنون أبدلت جلدتها وتحولت إلى شكل جديد استفاد من التحولات الفكرية ومن الثورة التكنولوجية محافظا على بعض الأساسيات الجوهرية نسبيا . فإذا كان هذا هو حال الفنون عموما, فأحرى بالسينما أن تكون أكثر الفنون تحولا وتطورا وثورة وهو ما حصل فعلا. ولا بأس قبل اقتحام الموضوع أن نتذكر بعض الخصوصيات الثلاثة التي سادت سابقا في تناول القضايا الوطنية في السينما العربية خصوصا.
أ -اعتماد مرجعيات تاريخية موالية للنظام يقوم خلالها المخرج بتصوير أحداث تاريخية لبلده بشكل حماسي مباشر مبالغ فيه ، معتمدا على الديكور الطبيعي لبلده واللباس واللغة والعادات والثرات الشعبي لإثبات الهوية والأصالة وبالتالي النزعة الوطنية بنوع من الدقة المملة في الجزئيات ،مع انغلاق العمل السينمائي غالبا حدوديا فهو (من وإلى المواطن) في حيز محدود جغرافيا بحدود انتقلت من الدولة لتؤطر الشريط نفسه (فالمخرج والممثل والموسيقى والأحداث واللغة وغيرها كلها غارقة في الوطنية بشكل غريب...) مع توخي عدم السقوط في المحدور. وتمثل أفكار القادة والسير على هداهم في تقديس معلن للتوجهات السياسية الحاكمة. وتبني مسارهم السياسي سينمائيا.وهذا النوع من الأفلام هو الأكثر شيوعا في العالم العربي .ومن الأفلام التي اشتهرت في هذا المضمار فلم عماد عقل أسطورة الجهاد والمقاومة،وفلم طيف اللقاء للمقاومة الإسلامية اللبنانية ، وفلم حكاية من ذاكرة المقاومة لنجدة أنزور، وفلم الرصاصة لا تزال في جيبي ، والطريق إلى إيلات لإنعام محمد علي عن حرب أكتوبر وفلم الفجر- والمتمرد- والفلاقة للتونسي عمار لخليفي – وفلم الأفيون والعصا وفلم سيدي بوعمامة وفلم ريح الأوراس وسنين الجمر للجزائريين. وفلم رصاصة طايشة اللبناني وفلم تذكرة إلى القدس لمشهراوي وفلم عمر المختار الليبي الانتاج واللائحة تطول. ب-التعامل مع الشريط بخلفية ايديولوجية تحوله من مجرد شريط إلى عسكري يساهم في خدمة توجهات سياسية إيديولوجية اما بشكل مباشر، كما هو شأن الأفلام التي تعاملت من قضايا اليهود مثلا ، رغم أنها أكذوبة تاريخية كما ذكر ذلك رجاء(روجي) جارودي . في كتابه الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية عندما أثبت بأن قضية إبادة وإعدام وحرق اليهود في الهجمة النازية الألمانية ما هي إلا أكذوبة ذكية سعت لجلب تعاطف العالم لسحب اعترافه بأحقية اليهود في تأسيس وطن لهم بفلسطين. وإما بشكل غير مباشر وهو ما نراه بارزا في محاولات إثبات الأمريكان للعظمة والعلو والسيطرة والريادة والقوة والأفضلية والشهامة وغيرها من خلال أفلام رامبومثلا وما شابهه.. فخدمة السينما للسياسة ايديولوجيا فطن لها قادة العالم الكبار, وأظن أن عبارة لينين في الموضوع لها دلالتها عندما قال :( من بين كل الفنون الأكثر أهمية لروسيا هو على ما أرى فن السينما). وقد اعترف أحد الجنرالات الفرنسيين بذلك عندما قال: إن السينما تساعدنا على استعمار افريقيا.وأظن أن اهدافا سياسية كثيرة ساهمت السينما في تحقيقها على أرض الواقع مما يؤكد توجهها الايديولوجي. ج- احالة شريط على غير عصره قياسا وهو نمط ثالث يمكننا إدخاله في حكم القياس ، وهو أن بعض المبدعين يقدمون لنا أشرطة سينمائية تاريخية عندما نخضعها لقانون القياس النقدي نكتشف أنها إنما تقصد الحاضر تأويلا باستحضارها للماضي سردا. وهو ما أشار إليه الناقد مصطفى المسناوي عندما قال بأن( الفلم التاريخي إذ يحيل ظاهريا على وقائع تاريخية لا يحيل في العمق سوى لنفسه هو بالذات ، أي إلى اللحظة التي ظهر فيها ،و إلى المكان الذي ظهر به وإلى الموقع الذي يحتله مخرجه ضمن هذا المكان وتلك اللحظة . ففلم الناصر صلاح الدين ليوسف شاهين1963 لا يتعلق بصلاح الدين الأيوبي ق 12م ، ولا بالحروب الصليبية وإنما هو يحيلنا على جمال عبد الناصر في صراعه ضد القوى الاستعمارية الخارجية...وليس شريط القادسية لصلاح أبو سيف بإنتاجه العراقي إلا إشارة إلى حرب العراق وايران.. ويمكن للمتفرج على فلم عمر المختار لمصطفى العقاد أن يكتشف خلف ملامح الممثل الذي لعب دور عمر المختار قسمات الرئيس الليبي بالذات ).ومعنى هذا أن كثيرا من الأفلام تكون غير مقصودة لذاتها وإنما تكون إحالة على وضعية سياسية شبيهة فيتحول ماضي الشريط ومواقف أبطاله إلى حاضر المخرج ومواقف ساسته. 1) مفهوم الوطنية في السينما من المحدودية الى الانفتاح لا شك أن مفهوم الوطنية شهد تحولا في العصر الحديث . ففي العهد السابق كانت الوطنية ملكية مقدسة عند كل دولة دولة ، ومحصورة بين حدودها الجغرافية في نوع من الإقصاء للآخر. والتقوقع حول الذات ، فكان الشرط السينمائي الوطني لا يجيز لنفسه ذكر الآخر حتى ولو كان فاعلا حقيقيا في صناعة حضارة بلده ، في تنكر معلن لكل من له جنسية مختلفة عنه إلا نادرا .وهّا يخالف الواقع الفعلي لهّه الدول إذ عندما نقرأ تاريخ الدول العربية خصوصا نجد أن كل واحدة عاشت تكتلات مع دول مجاورة أو حتى نائية من أجل تحقيق مقاصد دينية أو سياسية أو تحررية أو ايديولوجية أو اقتصادية أو غيرها. بمعنى أنها لم تكن في معزل عن الدول الأخرى تاريخيا وبالضرورة ، ومهما حاولت العكس.وبذلك يكون تواجد الشعوب الأخرى معها من قبيل المسلمات .ولكننا نجد ذلك مغيبا في الأفلام الوطنية بشكل مثير للتساؤلات وكأنما ذكر الآخر عيب يجب تجنبه . وأستشهد هنا للاستدلال فقط بالسينما الجزائرية التي اشتهرت بأفلام الثورة ونالت بها جوائز كثيرة في مهرجانات كثيرة . وهذه السينما تتنكر بشكل غريب للأدوار الأساسية التي لعبتها شعوب الجوار في حرب التحرير الجزائرية لكونها استقلت قبل الجزائر ورأت من واجبها الأخوي والإسلامي، وأدب الجوار، مساعدة الجزائر ماديا وبشريا ومعنويا حتى الحرية ، ولكننا عندما نبحث عن هذه الحقائق الثابتة بالأدلة في أفلام الثورات الجزائرية لا نجد لها ولا إشارة عابرة . وكأنما ذكر مساندتهم عيب يستحون من ذكره في أفلامهم ...وهذا مثال يسري على أغلب الأفلام الوطنية العربية غالبا . فهذا الانغلاق يفتح أكثر من تساؤل حول الجدوى من هذا الإقصاء العربي سينمائيا للآخر والمقصود في نوع من الأنانية . وكأنما يخافون التقليل من وطنيتهم إن هم اعترفوا بمساندة الآخر. وهذا تنكر يقره التاريخ الذي يشهد على الزمن السابق المنفتح إبان الأزمة حيث التحم فيه الجيران العرب فطريا لا هم لهم إلا نصرة الحق ...ولكن اطلاع المهتمين بالتاريخ الحقيقي للدول جعلهم يستهجنون هدا الانغلاق والإقصاء ويغيروا نظرتهملأغلب الأعمال السينمائية العربية ليحكموا عليها بغياب الصدق التاريخي عنها .. وحتى لا يسقط السينمائيون المعاصرون في نفس الفخ ، أصبحوا اليوم يتوخون الحقيقة ما أمكن في التعامل مع القضايا الوطنية ذات الطابع التشاركي مع الآخر لكسب المصداقية . ومن صور الإقصاء أيضا تهميش الأقليات في الدولة مهما قدمت من تضحيات كما هو شأن الزنوج أو الأكراد أو الأقباط أو المسلمين أو المسيحيين أو اليهود أو الأمازيغ أو الغجر وغيرهم .وأعتقد أن هذا التهميش هو الذي دفع ببعض المبدعين إلى الإحساس بالغبن ومحاولة فرض الوجود وإثبات الذات عن طريق السينما كما فعل شريط indigenes لرشيد بوشارب وتمثيل جمال الدبوز وقد تطرق الشريط إلى مشاركة المغاربيين الفعالة في حرب فرنسا ضد أعدائها ، وتجاهل الفرنسيين لهم . فسحب الشريط اعترافا رسميا من فرنسا يقر بهذا الدور ويعيد الاعتبار لهؤلاء المهاجرين المحاربين.. فصفة إقصاء الآخر دولة كان أم أقلية يعتبر محدودية غريبة تبعد المنتوج عن الواقعية وتسقطه في عنصرية عرقية أو وطنية معلنة تؤدي بالعمل السينمائي الوطني. وبعد تشبع المثقفين بالمفاهيم الحقوقية النابذة للعنصرية وإقصاء الآخر ، غيروا معاملتهم وانفتحوا على كل الشعوب والأجناس سينمائيا وعرفوا بالآخر وانفتاحوا علية واحتضنوه و هو ما جعل السينما الفرنسية مثلا تستحضر في كل أفلامها تقريبا الأجناس غير الفرنسية من مهاجرين أفارقة وعرب وأسيويين.وتسمح لهم بالتحاور بلغاتهم في الشريط وفي كثير من الأحيان تسند لهم أدوار البطولة. والساحة السينمائية الفرنسية تعج بالممثلين المهاجرين الذين بلغوا شهرة عالمية فائقة.بفضل هذا الانتقال من محدودية السينما إلى الانفتاح.وكل هذا يبين أن الوطنية في السينما لا تعني الانغلاق والإقصاء وتزوير التاريخ والحقائق لخدمة توجه سياسي ما . بل تعني الانفتاح على الشعوب والثقافات والأقليات والجيران. واحتضانهم ماديا ومعنويا وإبداعيا... 2) من الوطنية المعلنة الواحدة الى الوطنيات المضمرة المتعددة لا شك أن مفهوم الوطنية اقتصر سابقا على الجانب السياسي في جانبه العسكري خصوصا مقاومة العدو، هذه المقاومة التي كانت تحتاج بالضرورة لقائد ملهم يشكل محور الثورة والمخطط والزعيم الروحي والعسكري لها ، وهو ما جعل الشعوب تلتحم حول الزعيم وتناصره وتحيطه بهالة القدسية كما هو حال - شي كيفارا - و فديل كاسترو- وعمر المختار- وجمال عبد الناصر... وغيرهم كثير يتعددون بتعدد الدول والشعوب. وكانت قدسيتهم تدخل في صلب الوطنية وهذا ما أرخته السينما بكل فخر في أفلامها الوطنية السابقة .بنوع من المبالغة الغرائبية.والقدسية المفرطة..واليوم تجاوز العالم هذه الوطنية المعلنة الأحادية الضيقة، ليصبح لوطنية مفهوم متحول، جديد ، حربائي، متعدد، مضمر، يتغير من شريط إلى آخر ومن موضوع لآخر تجليه الحبكة السينمائية برموزها الدالة وإمكاناتها الإبداعية ..فاليوم غاب القائد القومي الوحيد المعصوم من الخطأ ، وحلت محله شعوب قائدة تؤمن بقضية وتدافع عنها دون أن تكون منزهة عن الخطأ ،وكانت خطب القائد مرجعا محمسا حلت محله المواقع الاجتماعية على الانترنيت، بل حتى تصنيف طبيعة العدو شهد تحولا نوعيا ،ستتغير معه طرق مجابهته . فلم يبق المقصود بالعدو تلك الدولة المستعمرة أو الدولة المعادية لنا سياسيا ، والمتواجدة خارج الحدود فقط ، بل أصبح هذا العدو متعددا بتعدد زوايا الرؤى وتباين وجهات النظر ، ولم يعد العدو بشريا كالعادة وإنما أصبح أيضا معنويا ، مجسدا في كل المظاهر المهددة للأمة كالتخلف والفساد و الأمية والأمراض الصحية والاجتماعية كالرشوة والانحراف والتطرف والإرهاب....وغيرها وهو ما استوجب نوعا آخر من الجهاد يسعى لاستئصال هذه المفاسد بشحنات وطنية من نوع خاص وهي وطنيات متعددة مضمرة تظهر عند الضرورة وكلما أحست بخطر جزئي يدمر كيان الأمة بالتدريج وانطلاقا مما سبق يصبح استمرار السينمائي في حصر معنى الوطنية في المقاومة المسلحة فقط إجحافا للوطنية وقتل لمعناها الحقيقي الممتد . أما مواضيع السينما الوطنية فأصبحت تشمل كل مجالات الحياة بدون استثناء إذ يمكننا ملامستها في أفلام تتعلق بالرياضة أو الفنون أو التراث أو ألأفلام المستحضرة للميتولوجيا الشعبية وغيرها لأن كل هته المواضيع والمجالات وغيرها تعزف على وتر الوطنية بشكل أو بآخر ، ومن تعدى عليها أو استهجنها تقوم آليات الدفاع الوطنية النابعة من الشعوب بالتحرك العفوي ضدها في حرب معلنة تتخذ من المواقع الاجتماعية أسلحة لها ووسيلة للدفاع ورد الاعتبار . بل تنشب حرب بين المواقع نفسها في ما نسميه اليوم بقرصنة اختراق المواقع مثلا . وهذا التحول في مفهوم الوطنية هو الذي خلق بين عدد من الدول خلافات سببتها الأفلام أو المسلسلات من خلال لقطة أو مشهد صغير في حيزه الزمني لكنه كبير في حربه الخفية – المعلنة ، وأعتقد أن الخلاف الذي حصل بين المغرب ومصر.ثم بين المغرب والكويت بسبب لقطات و مشاهد سينمائية أساءت للمرأة المغربية فأثارت الحماس الوطني كان نموذجا واضحا لما يمكن أن تقوم به الصورة من صراعات.وهو ما دفع بالهاكرز إلى الهجوم على مواقع رسمية في الكويت ودفع بمسؤول كبير في الكويت إلى الاعتذار رسميا للمغرب . غير أن ما حصل بين تركيا وإسرائيل كان أخطر لدخوله الحقل الدبلوماسي بين الدولتين وتوترت فيه العلاقات بشكل خطير كاد أن يؤِدي إلى ما لا تحمد عقباه .وهذا كله يؤكد آن الوطنية تكون حاضرة في كل حالة إبداعية مستعدة إما لتزكية الصالح أو مجابهة.الطالح .بعيدا كل البعد عن المفاهيم السابقة المحدودة للوطنية ومجالات نشاطها. . إن تصنيف الأفلام بعد هذا التحول لم يعد صائبا. ففي الماضي كنا نصنف هذا شريطا دينيا وهذا سياسيا و هدا وطنيا وهذا اجتماعيا .بحكم تغليب مجال على آخر. و اليوم أصبح هذا التصنيف متجاوزا لتداخل فروع الوطنيات في الشريط الواحد و لكنها تصب ككل في الوطنية الكبرى الشاملة. وهكذا أصبحنا نلامس الوطنية في مفهومها التقليدي من ثورة قبائل آيت عطا في بوغافر وهذا من خلال فلم (الطفل الشيخ ) لرائد السينما المغربية و صاحب وشمة المبدع الكبير حميد بناني كما نلامس وطنية من نوع آخر في فلم (خربوشة) لحميد الزوغي الذي يستحضر مغرب القرن 19 و ما فيه من قضايا مجاعة وأوبئة و فن... و نرى الوطنية حاضرة في رياضة( لمشاوشة) لمحمد عهد بنسودة . كما نجدها في( الإسلام يا سلام) بمفهوم الهجرة لسعد الشرايبي و نجدها أيضا في (مقاومة الشمال) لجمال بلمجدوب و نجدها في (كازا باي نايت) لمصطفى الدرقاوي و( قلب مكسور) لمحمد بنعزيز و هي تسجل لتفجيرات ماي2003 و نجد الوطنية أيضا حاضرة في (ذاكرة معتقلة )للجيلالي فرحاتي مشحونة بطابع سنوات الرصاص و نجدها عند أحمد بولان في( ملائكة الشيطان) و الصراع بين المقدسات و الدخيل الفكري و الثقافي .كما نجد الوطنية أيضا حاضرة في القضايا الاجتماعية كما في أشرطة (نساء و نساء) و( مصير امرأة) ونجد الوطنية أيضا عند الأقليات بالمغرب كما في شريط الهجرة ( فين ماشي يا موشى )ونجدها في معانات العمال مع (ألف يد ويد)ونتمسك بالوطنية عندما تغتصب الطفولة كما في (صمت بصوت عال) أو بين أطفال الشوارع في (علي زاوا).و نجدها عند استبداد القانون كما في (مكتوب) وتتأجج الوطنية عندما تهجر القاصرات وتجبرن على الفساد كما في ( المنسيون). ونجد الوطنية حاضرة في علاقة المرأة بالرجل من خلال( كيد النسا) لفريدة بليزيد كما نجد وطنية من نوع آخر مجسدة في الفن من خلال إبداع كمال كمال (السنفونية المغربية).واسترجاع متأمل لأعمال عادل امام تبين أن هده الافلام تبدو كوميدية مسلية لكنها في العمق تحمل زخما فكريا بحس وطني عميق جدا كما هو الحال في كركون في الشارع أو الإرهاب والكباب والعمارة والتجربة الدانماركية وغيرها. ومعنى هذا أن مدلول الوطنية أصبح هو ذلك الهم الخفي الذي يحمله المخرج لمجابهة فساد أو لتصحيح عيب ينخر الأمة ، أو المساهمة في بناء أو تأسيس توجه هادف للإصلاح والصلاح بحسن نية..وهكذا نلاحظ أن مفهوم الوطنية تجاوز حيزه الضيق ليشمل عوالم أرحب وليحتضن مفاهيم تتجدد مع كل إبداع سينمائي وتنمو وتكبر ككرة الثلج كلما امتدت في الزمكان ..وهو ما أصبح يحتم علينا اليوم إعادة القراءة لأشرطتنا السابقة وتلمس الدلالات الوطنية التي غابت عنا سابقا باستعمال مقاييس جديدة تتناسب والتطور النقدي السينمائي المنفتح حاليا.
ذ : الطيب بنعبيد خاص ب: ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة