سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حمادي كيروم: عدد المخرجين الحقيقيين في السينما المغربية لا يتجاوز ثلاثة أو أربعة قال للمساء إن الرأسمال الانتهازي حوّل القاعات السينمائية إلى «قساريات»
-كيف تقيّم واقع السينما المغربية حاليا؟ تعيش السينما المغربية حالية مرحلة إنتاجية مهمة، وقد تحقق هذا الانتعاش في الإنتاج بسبب الجهود التي بذلها المهنيون منذ تسعينيات القرن الماضي. وقد استجابت الدولة لهذا الاجتهاد في التنظيم والتقنين من خلال دعم القطاع بميزانية قارة وفي ازدياد. وقد ساهمت سياسة الدعم هذه في خلق ديناميكية في القطاع السينمائي حقق ما يقارب 02 فيلما طويلا وعددا لا يحصى من الأفلام القصيرة. غير أن هذه الطفرة الإنتاجية تجد صعوبة كبيرة في الوصول إلى المستهلك المغربي، بسبب «انقراض» قاعات العرض في المدن المغربية، مما جعل المجتمع المغربي يدق الأجراس، ولكن الدولة لها انشغالات أخرى، في حين أن الرأسمال المغرب هو رأسمال كسول وانتهازي، هدَم القاعات الرائعة وجعل مكانها «قيساريات»، بينما لم تُحرّك الدولة القوانين الرادعة. ولولا أحد المستثمرين الأجانب، لكانت الدارالبيضاء ومراكش الآن بدون قاعات للفرجة... إن عصر العولمة وانتشار تعدد وسائط الاتصال أدخل المغرب في خانة المجتمعات الاستهلاكية ومجتمعات الفرجة، مما يفرض علينا الانفتاح على الصناعة الثقافية من خلال تغيير محتوى الجامعة المغربية وتجاوُز المناهج التقليدية في التدريس، لخلق مُواطن مُعاصر وحديث قابل للتحول الإيجابي. -وماذا عن مستوى القيمة الإبداعية للأفلام؟ في ما يتعلق بالإبداع، أرى أن المخرجين الحقيقيين لا يتجاوزن ثلاثة أو أربعة، يتميزون بامتلاك رؤية فكرية وفنية للعالم وبوعي تقني للأسلوب، تصنع أفلامهم الدهشة وتشعل توهج الأهواء البهيج من أجل بناء فضيلة إنسانية، بعيدا عن كل اليقينيات. أما أغلبية المخرجين فهم يشتغلون خارج مفهوم السينما وخارج فلسفة الفن، ينتجون «أفلاما» يسعون من ورائها إلى مآرب أخرى... يدعمهم في ذلك الجهل والسطحية والانتهازية أو ما يمكن أن نسميه «التكيف العقلاني» في الحياة، وقد توهم هذه الظاهرة بأن هناك إنتاجا كمّيا قد يحقق في المستقبل إنتاجا نوعيا، غير أن «أفلام المحاكاة» و»الأفلام العصرانية» لا يمكن أن تنتج النوعية والجودة التي يمكن أن تقاوم «بؤس» العالم، الذي صنعه الفساد والذي يهدد المجتمع بخراب تراجيدي. -لماذا يغيب نقاد السينما عن الساحة؟ يمكن أن أقول إن هناك تواريا للنقاد وليس غياب النقد، ويعود «اختفاء» النقاد عن الساحة التداولية إلى سببين، يتمثل أولهما في كون الصحافة غيّبت النقد، فهي تكتب في كل شيء وكيفما اتفق، دون موقف ودون وجهة نظر ودون رغبة في الكتابة إلا رغبة «الوظيفة» وملء فراغ الصفحة الفنية، التي يكون الناقد الحقيقي الممنوع من الكتابة، بتهمة الاختصاص أو الزيادة في المعرفة، في حادة إليها، ليخرج على الناس، شاهرا رأيه... ويتمثل السبب الثاني في كون المهرجانات السينمائية، التي هي مكان للتداول الثقافي والمعرفي حول السينما، قد سيطر عليها نوع من المتعهدين، استبدلوا النقاد والمثقفين برهط هجين، صالح للتأثيث في كل مكان وفي كل زمان. غير أن هناك بعض المهرجانات الجدية، التي تنظم ندوات علمية حول موضوع مُعيَّن أو حول مخرج، مما يسمح للناقد والباحث الأكاديمي بإنتاج أعمال نقدية تُغْني الساحة، وتضاف إلى ما ينتجه الناقد المغربي، بوسائله الخاصة، متجاوزا صعوبات الطبع والنشر. وأشير هنا إلى أن وزارات الاتصال والثقافة والتربية الوطنية والمركز السينمائي المغربي مقصّرة جدا في دعم الأدبيات الفنية. - ماذا يمكن أن يقدّم ظهور مجلة سينمائية في المغرب بعد غياب، للنقد السينمائي؟ أغتنم هذه الفرصة لأهنئ مديرة المجلة، السيدة صوفيا، وأعتبر رجوع المجلة حدثا إيجابيا ينبغي دعمه، ماديا ومعنويا، لأن المجلة الفنية، والسينمائية بالخصوص، لا يمكن أن تستمر بالاعتماد على المبيعات أو الإشهار. إن المجال الحقيقي للكتابة النقدية هو المجلة العامة أو المتخصصة، لأن الكتابة النقدية تختلف كثيرا عن الكتابة الصحافية، فإذا كانت هذه الأخيرة تتطلب السرعة والمواكبة بهدف الإخبار والإنعاش، فإن الكتابة النقدية تتطلب الوقت والمسافة لتفكر وتتأمل، بهدف نقل وتقاسم حب العمل الفني والشغف الجمالي به. الصحافة شلال هادر والنقد بحيرة لماعة، وهناك فرق في البلل بين الرذاذ والغوص. وعلى ذكر الغياب، لا بأس أن أذكّر هنا بمجلة «سينما»، التي كانت تُصْدرها الجمعية المغربية لنقاد السينما، بدعم من المركز السينمائي المغربي، والتي ساهمت في إنعاش الكتابة النقدية وربطت علاقة معرفية بين النقاد والمخرجين وخلقت دينامية ثقافية توازي الدينامية الإنتاجية، التي يعيشها القطاع السينمائي. غير أن آلة الإقصاء «سقطت» بشكل مفاجئ على هذا المشروع ووأدته في مرحلة البحث عن الذات، لأسباب غامضة! وهذا يجعلنا نطرح السؤال الأساسي حول الديمقراطية وحول السياسة الثقافية وحول المسؤولية واحترام الآخر والاعتراف بالاختلاف... -لماذا اختفت الأندية السينمائية المغربية؟ لكي نعرف الأسباب التي أدّت إلى انقراض الأندية السينمائية من المغرب، لا بد من الإشارة إلى أن ظاهرة الأندية السينمائية هي ظاهرة عالمية أنتجتْها ظروف متعددة، منها الاستبداد السياسي، انعدام حرية التعبير وسيطرة الإمبريالية العالمية.. وكان رد الفعل الطبيعي على هذا الواقع هو تبنّي إيديولوجيا يسارية كأداة للتحرير وخلق أماكن ومناخات لممارسة حرية الفعل والتعبير واستعمال الفن السينمائي، وبالخصوص الأفلام الطليعية، كعلة لنشر الفكر التحرري. غير أن الانقلاب الإعلامي والتكنولوجي وانقراض الدول الشيوعية وسقوط جدار برلين... إلخ. يجعلنا نحس أننا نتحدث عن تاريخ بعيد، فالإنسان المغربي الآن يعيش فردية قاتلة، وأمدّتْه القنوات العالمية بكل ما يطلبه من فرجة مسموحة وممنوعة دون رقيب. كما أن البرامج التعليمية لم تُكرّسْ فيه الرغبة في السؤال والحوار مع الآخر، كما أن اختلاط اليمين باليسار وسيادة قيّم الاستعمال والمنفعة غيّبت لدى الشباب الاهتمام بالثقافي والسياسي. غير أنه يمكن استغلال ما هو إيجابي في هذه المرحلة من أجل إعادة إحياء روح الأندية السينمائية، في جانبها المتعلق بعشق السينما وبترويج ثقافة سينمائية مقاومة. ويمكن اعتماد أدوات العرض الحديثة (Home cinéma) مثلا، وأفلام «DVD» وخلق «مقاهٍ فنية» تجمع عددا محدودا من الناس، يتقاسمون نفس الأذواق ونفس الأفكار، لأن السينما لم تعد فقط فرجة للتسلية، بل معرفة حسية وجمالية تجعل الروح الإنسانية تتجاوز «نواقص الوجود الراهن»، لتحقيق الانتشاء الجمالي من أجل معانقة الحرية، كما يقول هيغل.