يعتبر المخرج حميد بناني وبدون منازع شخصية سينمائية متفردة، أعطت للسينما المغربية الشيء الكثير وشكلت دعامة من دعائمها ووشمت صيرورتها بفيلمه التحفة "وشمة" بالأبيض والأسود، حيث مازال سحر "وشمة"، ساريا في الساحة السينمائية المغربية رغم مرور ما يقارب عقدا من الزمن السينمائي على ولادته. تجمع كل آراء المهتمين والنقاد على أن المخرج المغربي حميد بناني هو من أسس لانطلاقة فعلية حقيقية واحترافية للسينما المغربية بفيلمه "وشمة" سنة 1970، إذ أعتبر حينها "وشمة" أول فيلم طويل لمخرج مغربي اسمه حميد بناني يدخل به العمل السينمائي من بابه الواسع، وإن كان بوسائل مادية وتقنية متواضعة، لكن بهموم وحماس سينمائي مبدع ومرهف الإحساس. أسماء وشمت تاريخ السينما المغربية .. كتبت بماء من ذهب بإصراره على أن يضيف قيمة إبداعية وجمالية للفعل السينمائي المغربي الذي كان آنذاك يتلمس أول خطواته، جمع المخرج حميد بناني لأول مرة بين كل العناصر المكونة للفيلم من قصة وسيناريو وإخراج ومونطاج. ممثلة في اجتماع ثلاثة أسماء سينمائية من العيار الثقيل في عمل واحد هو فيلم "وشمة"، وهم: السيناريست والمؤلف والمخرج حميد بناني، والمصور السينمائي المجرب محمد عبد الرحمان التازي، ومونطاج المخضرم الراحل الكبير أحمد البوعناني، بالإضافة إلى مهندس الصوت هانس كلين، وموسيقى لكمال دومينيك هيلبواد. وتشخيص كل من عبد القادر مطاع، توفيق دادة، محمد الكغاط، فاطمة شرقاوي وآخرون... لقد كتبت أسماء هؤلاء الثلاثة إلى جانب كل الطاقم التقني والممثلين بماء من ذهب في السجل التاريخي للسينما المغربية. "وشمة" .. مسعود طفولة مؤلمة ونهاية مأساوية يحكي فيلم "وشمة" ببساطة وعفوية لكن وفق بناء سينمائي ذكي ومحترف قصة/حكاية رجل عاقر تبنى طفلا (مسعود) من ملجأ الأيتام وأراد أن يربيه تربية صارمة وفق تقاليد وثقافة المجتمع المغربي آنذاك، إلا أن الرجل يتوفى ويترك لزوجته هذه المهمة. يكبر الطفل (مسعود) وتكبر معه عقدة الصغر، يرافق جماعة من الشباب المنحرف، ينحرف بدوره لكن شيئا ما مازال يسكن داخله يتركه في بعض الأحيان يرجع إلى رشده وصوابه، لكنه في النهاية يجبر على الاعتداء على مشغله وأثناء هروبه يموت بحادثة سير. ويغوص هذا العمل السينمائي "وشمة" في مشاكل اجتماعية مؤلمة ، يتناول بعض السلوكيات التي كانت تسيطر على المجتمع في ذلك الوقت وينقدها، يعالج سيكولوجية الطفولة وارتباطها بالمحيط والثقافة. عن "وشمة" في مساره السينمائي المميز، قال حميد بناني في إحدى تصريحاته الصحفية: "فيلم "وشمة" اشتغلت عليه وكلي حماس بعد عودتي من الخارج مباشرة، كانت لدي أفكار وأحلام، وضعتها في الفيلم بصدق، فتقبله الجمهور والنقاد...".هكذا، حمل حميد بناني كاميراته على كتفه وقصد منطقة سيدي علي القروية بنواحي مكناس، فصور ضياع طفل بدوي عاش حياة عذاب وألم من الإحساس بالاختناق والقمع الذي سلطه عليه والده بالتبني. حميد بناني .. ابن مكناس الذي درس السينما بباريس ولد السينمائي المغربي حميد بناني سنة 1942 بمكناس، حصل على شهادة الإجازة في الفلسفة من كلية الآداب بالرباط. وتخرج من معهد الدراسات السينمائية العليا بباريس، عمل بناني رئيسا لمصلحة العلاقات الخارجية بالإذاعة والتلفزة المغربية من سنة 1968 إلى سنة 1970، ثم أسس مع الراحل الكبير أحمد البوعناني، والسينمائي المخضرم والمجرب محمد عبد الرحمن التازي ومحمد السقاط شركة الإنتاج (سيكما 3)، كما سبق تنصيب حميد بناني رئيسا للغرفة المغربية لمنتجي الأفلام . أخرج السينمائي حميد بناني العديد من الأفلام القصيرة والوثائقية والطويلة، السينمائية منها والتلفزية ففي صنف الأفلام القصيرة، وقع على أفلام: "الخادمات"،"القلب إلى القلب" سنة 1967، و"ولادة نجم"، و"العائلة المغربية". وفي مجال الأفلام السينمائية الطويلة ، اخرج حميد بناني فيلم" وشمة" سنة 1970 ، "صلاة الغائب" سنة 1993 ، "الطفل الشيخ" سنة 2010 هذا الأخير الذي تناول فيه فترة الحماية وهو ملحمة تؤرخ لفترة مهمة من تاريخ المغرب، كما جاء على لسان مخرجه. وله من الأفلام التلفزية الكثير، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: "الواد"، "السراب"، "خريف الأحلام"، "وهم في المرآة"، "الضيف"، "الحلم الصغير" ، "النور في قلبي" واللائحة طويلة... سعيد فردي