إن مقاومة الاستعمار هي سمة كل الشعوب الحرة، والمستعمرة من طرف أجانب ومن طرف دول ترنو إلى التحكم في العالم، وخاصة الدول الفقيرة وفي مكوناته الثقافية واللغوية وفي موارده البشرية وفي ثرواته المادية. ومثال ذلك استعمار فرنسا لدول المغرب العربي. لقد خلق الاستعمار الفرنسي في المغرب عنصرية وتميزا وتفريقا بين الطبقات. لقد قبض بفكيه على كل القوى البشرية واستغلها في العمل في المناجم وفي رفع مستوى عيش ساكنة فرنسا، وكذلك في الجيش والحروب دفاعا على الفرنسيين، وكذلك هجوما واقتحاما لاستعمار دول أخرى. كما تسلط على المكونات المادية والمنجمية والنفطية والفلاحية للرفع كذلك من مستوى عيش المواطنين الفرنسيين وإفقار المغرب والمستعمرات. والاستعمار يدعم السياسة الامبريالية مما يؤدي إلى السياسة التبعية الاقتصادية واللغوية والعسكرية والدينية. إن للشعب الحر الأبي كلمته الأخيرة ضد الاستعمار والدفاع عن الحرية والنضال ضد العنصرية والكفاح من أجل التحرر واستعادة الذاكرة والحق في تقرير المصير. وأدى الدفاع عن الحرية إلى حروب قاتلة وغير متوازنة، بين مستعمر غاشم صاحب جيوش ومعدات متحضرة ومعقلنة وبين شعب مستعمر خاضع ومتكبد لكل ما يمليه عليه المستعمر الطاغية، وليست له قوة منظمة وليست له أسلحة متطورة. إنما يملك قوة إيمان بقضيته ويملك أبطالا مستعدون للتضحية بالغالي والنفيس وبالروح وبالدم من أجل إخراج المستعمر من بلده. وقد كتب هؤلاء الأبطال بدمائهم تاريخ تحرير المغرب من الاستعمار، وتاريخ نضال شعب من أجل الحصول على الاستقلال. وكتبوا بدمائهم معنى قيمة المواطنة والروح الوطنية. إن التمرد الشعبي ضد الاستعمار الفرنسي اندلع في جميع أنحاء المغرب، وازدادت المقاومة مع التوترات المسلحة والابتعاد عن المنتوجات الفرنسية وأيضا المحاربة وقتل الفرنسيين والمتعاونين معهم. وكان لمنطقة الشاوية ورديغة حظها الأوسع والكامل من المقاومة ضد الفرنسيين وخاصة جهة وادي زم و خريبكة وأبي الجعد. وهذا ما حاول تجسيده المخرج عبد العزيز العطار في فيلمه "تاريخ مقاومة... وكفاح امرأة" الذي بدأه منذ البداية بثورة المغرب الكاملة والشاملة ودور المرحوم الملك محمد الخامس وركز على جهة الشاوية ورديغة ومقاومتها الدامية والمشهورة ضد الفرنسيين. وركز على شخصية خاصة ومتميزة هي شخصية الحاجة خدوج السليماني. فهي متميزة كونها امرأة، والمقاومة تعرف وتنسب خاصة للرجال. فالمقاومة خدوج السليماني امرأة خلخلت صفوف المستعمر وأرته شتى أنواع العصيان والتمرد. لقد قادت مظاهرات وسجنت وتلقت أنواعا كثيرة من التعذيب والتنكيل. ولكنها قاومت بقوة بدنية ونفسية كبيرة مع صديقاتها في النضال. وقاومت كذلك بعد الاستقلال وهي تعبير عن مواطنة صادقة، بالدخول إلى الميدان الاجتماعي عبر المجتمع المدني وذلك بمساعدة الفقراء وذوي الحاجة. وكذلك بالنضال عبر الفن والتعبير التشكيلي الفطري النابع من القلب، والذي يتقلب تارة بين الذاكرة وأسرار السجون والتنكيل والتعذيب وبين التعبير عن الحياة برسم لوحات مليئة بالمحبة وبمناظر طبيعية وبتقليد لشخصيات بارزة.... إن المقاومة في جهة خريبكةووادي زم كانت عنيفة وجاءت ضحاياها كثيرة. وفيلم "تاريخ مقاومة... وكفاح امرأة" جسد ذلك وأبرز دور المرأة المغربية في الكفاح والنضال مع الرجل ووراء الرجل من أجل الحصول على الاستقلال وطرد المستعمر من البلاد. الدكتور بوشعيب المسعودي