على الرّغم من التباين والاختلاف في تحديد مفهوم دقيق للثقافة، على اعتبار أنّ الاختلاف في تعريف الاصطلاح يرجع إلى اختلافٍ في المرجعيات الفكرية، والانتماءات الدينية، والمنابت المعرفية، وبالرغم من ذلك إلّا أنّ مجمل التعريفات تتّفق على أنّ الثقافة مزيجٌ بين أنماط التفكير، وخليطٌ بين مناهج التعبير وطرائق التدبير التي تكشف الجوانب التي تنتظم فيها حياة الإنسان في مجتمعه ومحيطه، وقد عرّفتْ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الثقافة بأنّها: مجموع المعارف والقيم ومناهج التفكير وطرائق الإبداع بشتى مجالاته، وصور وأنماط الحياة التي تتشكّل تبعاً لتلك المجاميع المعرفية والقيمية، فضلاً عن أنّ تطلعات الإنسان إلى المثل العليا، والبحث الدائب عن مدلولات جديدةٍ لحياته وقيمه ومستقبله وإبداع كلّ ما يتفوّق به على ذاته تندرج تحت مفهوم الثقافة، أما نمط الثقافة الإسلامية فهو مرتبطٌ بمصادر التّشريع في الإسلام، وما ينبثق عنها من تفكيرٍ أو تدبيرٍ، وقد اكتسبت الثقافة الإسلامية قوةً حضاريةً بسبب ارتباطها الوثيق برسالة الإسلام الذي قام على وحدة الجوهر مع إقراره بالتّنوع والاختلاف في مجالات الحياة، وهذا الموضوع يتناول الثقافة الإسلامية من حيث خصائصها وأهميتها، فما هي أهمية الثقافة الإسلامية؟ أهمية الثقافة الإسلامية لعلّه من الصعب حصر أهميّة الثقافة الإسلاميّة في مجالٍ واحدٍ، حيث إنّ أهميّتها تمتدّ لتشمل فضاءاتٍ واسعةٍ ومتنوّعةٍ، وفي هذا الموضوع يمكن القول: إنّ في ثقافة المسلم إشارةٌ لا تُخفى على حُسن انتمائه لدينه، وإعلانٌ عن صدق اعتزازه بالإسلام، حيث إنّ من مقتضيات الإسلام المقبول شرعاً أنّ يكون المرء فيه على معرفةٍ واطّلاعٍ بأساسيات الدّين وأصول العقيدة وكيفيات الشعائر التعبدية، فمثلاً: لا يصحّ إيمان المسلم إلّا إذا علم أركان الإسلام، واعتقد بها اعتقاداً جازماً لا يساوره شكٌّ، وهذه الأركان هي: الإيمان بالله -سبحانه-، وملائكته الكرام، وكتبه التي أنزلها على رسله، والإيمان بأنبياء الله ورسله، والإيمان باليوم الآخر، والقدر خيره وشره، فضلاً عن معرفة الأمور الأخلاقية والقيم السلوكية التي دعا إليها الإسلام، ومعرفة ما نهى عنه الشرع من أقوالٍ وأفعالٍ. الثقافة الإسلامية تُشكّل حصانةً فكريةً للمسلم، حيث إنّ الثورة المعرفية التي يشهدها العالم بشكلٍ متسارعٍ، تلك التي أتاحتْ للجميع وصول المعلومات بشكلٍ لم يُسبق جعلتْ من التّسلّح بالثقافة الإسلامية ضرورةً لا بدّ للمسلم منها، بحيث يتمكّن من خلالها التمييز بين الغثّ والسمين، وأن يمتلك بها المقاييس التي تدلّه على المقبول والمرفوض في شريعة الإسلام، فيتحصّن عندها من كلّ دعوةٍ هدّامةٍ، أو فكرٍ مُغرضٍ، أو منهجٍ لا يوافق منهج الإسلام. تثري الثقافة الإسلامية القيم الإيجابية في حياة المسلم، حيث يستطيع بذلك إدراك معنى الاستخلاف في الأرض وعمارتها على النحو الذي أراده الله -عزّ وجلّ-، وهذا يتطلّب معرفةً في سنن الله -تعالى- في الكون، وقوانينه في التعامل مع البشرية؛ فيتعامل على أساسها في نظرته الإيجابية للحياة والكون. تبرز أهمية الثقافة الإسلامية في كونها مِعْولاً هامّاً، وحاجةً لا غنى عنها في معالجة مشكلات التي تعصف بالعالم الإسلامي، حيث إنّ المسلم بثقافته الإسلامية العالية والواعية قادرٌ ومؤهّلٌ لوضع الحلول النّاجعة لكلّ التّحديات التي تواجه البشرية اليوم. يشهد التاريخ الإنساني المنصف بأنّ الحضارة الإسلامية المستندة إلى وحي التّشريع استطاعت أنّ تقدّم للبشرية نماذجاً رائعةً وفريدةً في العدل والإنصاف والتّقدّم الحضاري والكرامة الإنسانية، في حين كان البعد عن الإسلام سبباً لفشو الظلم وتوالي الخيبات. تعدّ الثقافة الإسلامية أداةٌ فاعلةٌ في مجال توضيح الأساسيات التي تقوم عليها رسالة الإسلام، وفرصةٌ لتفاعل المسلم مع مبادئه وقيمه ونقلها إلى سلوكٍ عمليٍ، حيث إنّ الثقافة الإسلامية في حقيقتها ليست علماً من علوم الشريعة، بل هي مزيجٌ رائعٌ نافعٌ لكلّ العلوم الإسلامية. مظاهر التحدي في وجه الثقافة الإسلامية إنّ أهم ما يواجه الثقافة الإسلامية من تحدياتٍ؛ تلك الهجمة الشرسة التي تستهدف المسلم في ثقافته التي يستمدّها من رسالة الإسلام، ويمكن إيضاح ذلك بما يأتي: تواجه الثقافة الإسلامية طعناً في صحة نسبتها إلى الله تعالى والوحي، وذلك عن طريق نفي الرّسالة والنبوة، وبالتالي التشكيك بكلّ النصوص الدينية الثابتة، كما تواجه طعناً في أهليتها وصلاحيتها لكلّ زمانٍ ومكانٍ، وهذا يقود إلى التحلّل من التشريعات الرّبانية، ويفضي إلى تغيير الأحكام الشرعية، والبحث عن بدائل خارج حدود الشريعة. الهجوم على التراث الإسلامي واللغة العربية التي هي مادة القرآن الكريم، ويتمّ ذلك من خلال الدّعوات إلى إحياء اللهجات العامية، ودعم اللغات الأجنبية على حساب تعلّم اللغة العربية، ولذا يعدّ الاستخفاف باللغة العربية إساءةٌ للثقافة الإسلامية وروحها الإسلام. الهجوم على المؤسسات التربوية والثقافية في المجتمع المسلم على اعتبار أنّها الأدوات الحاضنة لنشأة ثقافةٍ إسلاميةٍ راشدةٍ، ويظهر ذلك في اختراق الأسرة من خلال الدعوة إلى تغيير الأدوار والمسؤوليات التي أقرّها الإسلام، وهذا من شأنه أنْ يشوّه النّظرة إلى مفاهيم الأمومة والأبوّة والبنوّة، كما تواجه المؤسسات التعليمية أدواراً تغريبية لمضامينها ومناهجها، وقد تركتْ آثاراً خطيرةً في مجال ارتباط شباب الأمة بماضيها ورموزه وإرثهم الحضاري. الإساءة للذوق الثقافي الإسلامي من خلال استخدام وسائل الإعلام المختلفة في تشويه الوعي عند شباب المسلمين، من خلال الإفراط في البرامج الإباحية، والغنائية، والرياضية، وغيرها. الدّعوة إلى نشر ثقافة الديمقراطية، وترسيخ أدوار منظمات حقوق الإنسان كبديلٍ عن الموروث الديني والثقافي الإسلامي.