من خلال كتاب: عموم الرحمة وعالمية الإسلام للمفكر أبوزيد المقرئ الإدريسي يندرج الإقدام على التفاعل العلمي مع الإصدار الجديد: "عموم الرحمة وعالمية الإسلام"[1] من خلال تقديم مطالعة منهجية وقراءة تركيبية نسقية في بنيته العامة ومقولاته الحاكمة، وربطه بسياق مسار المشروع الفكري التجديدي/التنويري للأستاذ أبوزيد المقرئ الإدريسي، يندرج هذا في التعريف بأعلام الفكر الإسلامي المغربي وإنتاجهم الفكري المميز. منذ أواخر الثمانينات شكلت قضايا ترشيد فكر الصحوة الإسلامية وتنمية حس النقد الذاتي، وتأسيس الوعي بفكر المراجعة داخلها والتعاطي النقدي التحليلي العميق مع أزمة العقل المسلم المعاصر، والانحياز للفكر الوسطي المعتدل أحد أهم سمات التفكير في فضاء المفكر المغربي أبوزيد المقرئ الإدريسي، وذلك من خلال إنتاجه خطابا فكريا متجددا ومتحيزا معرفيا يسهم في بناء وعي إسلامي إصلاحي يسعى إلى استئناف المسار الحضاري للأمة لإخراجها من حالة "الانبهار الحضاري" و"التخلف المعرفي" و"التبعية الإدراكية" والارتباط بأفق "النهضة الحضارية الشاملة"، مستفيدا في بناء خطابه من التطور الهام في مباحث المعرفة الإنسانية وحقل العلوم الاجتماعية وتخصصه في الأدب وعلم النحو واللسانيات الحديثة، واطلاعه الموسوعي في حقل التراث الإسلامي، وتاريخ الأفكار والمؤسسات وتجارب الأمم والحضارات وانفتاحه على مجالات الفلسفة والجغرافيا البشرية والدراسات القرآنية، مسنودا بأدوات التحليل المنهجي ومنضبطا لحاجة النقد التأصيلي، المؤسس برؤية مقاصدية وبمنهج تجديدي يروم مجاوزة أزمة الاجتهاد في الفكر الإسلامي المعاصر. لقد شكلت المحاضرات[2]والأبحاث والدراسات وإصدارات الإدريسي المعرفية، تعميقا خصبا للاتجاه الفكري الوسطي والمعتدل وتعبيرا أصيلا عن تميز المدرسة الإصلاحية المغربية، فضلا عن تعاطيه المعرفي والنقدي والتفكيكي مع معضلة العنف وأفكار الغلو والتطرف الديني أساسا، نذكر منها كتاب: "الغلو في الدين: المظاهر والأسباب" منشورات الزمن (2010)، وكتاب"معضلة العنف: رؤية إسلامية" (2011)، ومساهمته العلمية النوعية ضمن الكتاب الجماعي:"الديانات السماوية وموقفها من العنف"، في موضوع "موقف القرآن الكريم من العنف" منشورات الزمن (ع32- 2002)، وأيضا مقالاته وأبحاثه حول: "الإسلام والعنف: جدلية الفهم والممارسة" المنشورة ما بين 2002 و2009 ودراسته حول "العنف والإرهاب وأزمة العقل المسلم". أولاً- لماذا الكتاب؟ نحن أمام كتاب يتكون من (86) صفحة في جزئه العربي و(40) صفحة في القسم المتعلق بالترجمة الجزئية إلى الفرنسية والانجليزية، وينقسم إلى ثلاثة فصول، الفصل الأول معنون ب"الرحمة القرآنية" يحاول فيه الكاتب تناول أهم مكامن الرحمة في القرآن الكريم من خلال الآيات التي تضم مصطلح الرحمة ومشتقاته في مجموعة من السور القرآنية. والفصل الثاني يتطرق لموضوع عالمية الإسلام وأبعادها وآفاقها، والفصل الثالث يتحدث عن صفات ومواقف الرحمة عند النبي الكريم متوقفا عند سلوكاته صلى الله عليه وسلم ومقامات الرحمة الراقية فيها. تتسم الدراسة بجهد غير تقليدي في عرض أفكارها واستدلالاتها، جهد منسوج بطريقة محكمة في ربط الرحمة القرآنية بالعالمية الإسلامية الكونية، متضمنا قراءة مجددة ومتبصرة للقرآن الكريم والسنة النبوية والسيرة والتاريخ الإسلامي من خلال تحليل نسق "الرحمة" في نسيج القرآن الكريم وجعله مدخلا للوعي بعالمية الإسلام؛ مقابل القراءات العسكرتارية للتجربة الإسلامية والإسقاطات التاريخية والقراءات الاختزالية للنص القرآني؛ ويمكن القول أن غاية هذا العمل تتجلى في كونه يعالج: - أزمة الحوار ومعضلات العنف والغلو والطائفية والمذهبية التي تخترق فكر الأمة وجسدها. - أعطاب العقل المسلم المعاصر والتركيز على إعادة تشكيل خريطته المعرفية والإدراكية وسلم أولوياته. - الفهم المنغلق لفكرة "عالمية الإسلام" والتأكيد على مشروع الإسلام الحضاري في تحرير الإنسان وتكريمه من كل أشكال العبوديات. - التفسيرات التي تحصر السلوك النبوي في بعده العسكري، وينبه على أن هذا الفعل هو دفاعي في الأساس واستثنائي في اختياره وردعي ومحدود في التصور الإسلامي القرآني والتجربة النبوية، لافتا النظر إلى ما رسخته التجربة النبوية من قيم الرحمة والسلم والاختلاف والفضيلة حتى في حالة الحرب. إن هذا الجهد الفكري يروم تقديم معرفة مركبة في التفكير الإسلامي المعاصر من أجل: - فهم نظام العلاقات الاجتماعية والسياسية وتدبير التفاعلات والاختلافات بينهما؛ فأي مشروع حضاري لبناء الإنسان يكون جوهره تحديد نظرته للآخر. - التأكيد المبدئي على أن السلم والرحمة وحرية الاختيار هو الأصل في الإسلام؛ ليكون خطابا أصيلا هدفه تحصين الذات المسلمة وبناء المناعة الداخلية حتى لا تخترق أو تنبهر أو تنحرف أو تمرض، فتنهار. ثانيًا- في المنهج تعد المقاربة المنهجية في دراسات الإدريسي مرجعية معرفية-حضارية للباحثين والدارسين في التعاطي مع إشكالات الفكر الإسلامي عموما وقضايا التطرف والغلو والعنف المرتبطة بالفكر الديني خصوصا، وانخراطا تنويريا في إعادة تشكيل العقل المسلم المعاصر، وفي مشروع تجديد الفكر الإسلامي وبناء الوعي الاستراتيجي للنهضة وتأسيس الفعل الحضاري الراشد، ورغم أن الكتاب لا يعلن عن مقاربته المنهجية لكنها كامنة في طبيعة منهج التفكير في دراسة الظاهرة، وآليات الربط والتركيب بين "عموم" الرحمة و"عالمية" الإسلام، فهي دراسة منسجمة مع نفسها ولما حددته من أفق معرفي وحضاري. ولذلك تنقسم الرؤية المنهجية للبحث إلى ثلاثة أبعاد أساسية: - البعد المعرفي: يتمثل في طبيعة الرؤية القرآنية النسقية التي يستبطنها الكتاب في تفكيك قيمة الرحمة في النسيج القرآني، ومحاولة إثبات أن خصلة الرحمة هي عماد نسق الرؤية القرآنية للوجود، ومحور العلاقات الناظمة لعناصره الكبرى، إنها رحمة واسعة "وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ"[الأعراف-156] تسع كل العالمين؛ كما يتجلى هذا البعد في إثارة الموضوع بجهد مستقل عن مباحث الأخلاق أو العقائد أو الدراسات القرآنية، لترسيخ قيمة الرحمة في نسيج الرؤية الإسلامية وصد الهجمة المادية المعاصرة عن الإسلام والإنسان[3]. - البعد اللساني/اللغوي: يتجلى في توظيف مبحث اللغة في فهم أبعاد مضامين الرحمة الفريدة في شبكة النص القرآني وما يفتحه من آفاق تربوية واجتماعية وحضارية؛ كدلالة استعمال "الاسم الموصول"(الذي، الذين، التي...) بكثافة في القرآن الكريم بوصفه اسما مبهما وناقصا يحتاج إلى جملة من بعده تسمى صلة الموصول؛ ذلك أن وظيفته تجريد الموقف من الشخص وفك الذات عن الحدث وجعل الحدث شيئاً متجرداً عنها، ويفيد التعالي عن الأشخاص والأشياء، والتسامي عن الخطاب القبلي والخطاب العرقي والخطاب المشخصن والخطاب الاسقاطي، والتركيز على الصفات والمواقف والأحداث والمناهج والاختيارات؛ وبالتالي يضمن القرآن الكريم لموقفه وتحليله ورأيه العالمية والتعالي عن خصوصيات الزمان والمكان وعدم شخصنة القضايا والصراعات أو الحكم من خلال تصنيفات أو عرقيات أو طائفيات[4]. - البعد الإجرائي الرصدي: يبرز في استعمال المنهج الإحصائي من خلال رصد طبيعة الحضور الكمي والكيفي للمادة المعجمية(ر-ح-م) ودلالاته ومضامينه ومشتقاته، التي تتوزع تقريبا صفحات المصحف كلها لتصل إلى 340 موقعا، ويزيد الأمر رسوخا أن هذا الرقم يتوزع على 32 تصريفا واشتقاقا، (أرحم رحمناهم ترحمني سيرحمهم ترحمون رحمة الراحمين الرحمان الرحيم المرحمة الأرحام رحماء رحما)، و يبرز في هذا الحقل اللغوي الاشتقاقي البديع للرحمة في القرآن حضور لافت للنظر لكلمتي رحمان (57 موقعا) ورحيم (95 موقعا) كما تشير الدراسة إلى أن كلمة "الناس" تتكرر 241 مرة، و"العالمين" تتكرر 73 مرة. ثالثًا- رحمة الله تسع العالمين حاول الكتاب تأسيس فكرة محورية مفادها أن الخطاب القرآني للمسلمين بخصوص الرحمة ليس مصدر احتكار أو استعلاء، حيث ترد الرحمة مسندة إليهم في سياق الاشتراط عليهم بتصديق الأنبياء السابقين: "لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِى 0لْأَلْبَٰبِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ 0لَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" [يوسف/111]؛ وفي ذلك تنبيه منهجي من السقوط في عقدة الشعب المختار أو الاستعلاء العنصري أو الديني على الناس أو احتكار الرحمة بمنطق الطائفة وحرمان الخارج منها. وعلى ضوء هذا التأسيس يمكننا عرض أهم خلاصات المحور المتعلقة بفكرة عمومية الرحمة وشموليتها في الأفكار الآتية[5]: - شمول قرآنية الرحمة من حيث تردد مشتقاتها القرآنية ومضامينها الدلالية وسعتها لكل أنواع المخلوقات. - البعد الايجابي للرحمة في القرآن الكريم التي تشمل كل خير أو فضل أو بر أو عمل صالح أو نعمة إلهية أو توفيق رباني أو صدقة أو حسنة أو طاعة في معروف يسميها القرآن رحمة، أو يعللها بالرحمة، أو يجعل غايتها الرحمة، حتى لتكاد تكون الرحمة الأول والآخر والظاهر والباطن في النسق التعليلي لتشريع الأحكام والأمر بالأفعال والنهي عن المنكرات. - الرحمة لا تأخذ مصداقيتها إلا من عموميتها، إذ لو كانت خاصة، لصارت امتيازا واحتكارا لفئة محظوظة فتحولت بالنسبة للمحرومين منها إلى نقيضها نقمة وشقاء، وحاشا لله العادل الرحيم، ووحيه الحق الحكيم أن يسير بمنطق الديانات الباطلة أو المحرفة والنحل المنغلقة التي تشرع لأهواء الطبقات والفئات فتحتكر حتى الوحي و تحوله إلى امتياز قد يؤدي إلى بناء سلطة تأويل ديني احتكاري وفق مصالح فئة خاصة أو خادمة لإيديولوجيات معينة أو مبرر للاستبداد الديني والسياسي. - صرامة ووضوح القرآن الكريم بصدد عموم الرحمة، فهو يخاطب بها الناس جميعا، لا قوما ولا جنسا ولا طبقة ولا قبيلة مخصوصة محظوظة: "يَٰأَيُّهَا 0لنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى 0لصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ، قُلْ بِفَضْلِ 0للَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ" [يونس-57 و58]، إنها رحمة واسعة (ورحمتي وسعت كل شيء) تسع كل العالمين، وتعرض عليهم بيسر وتواضع شروطها البسيطة لتنال منهم جميعا بلا استثناء. - القرآن الكريم يعلنها واضحة، ويصرح بها جلية ناصعة:"وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَٰلَمِينَ" [الأنبياء-107] فيحدد الغاية من خلق سيد الخلق ومن بعثه بالهدي وتكليفه بالرسالة: إنها رحمة للعباد كل العباد، بلا تخصيص ولا استثناء! رابعًا- من أجل ارتقاء الوعي الإسلامي إلى الخطاب الإنساني العالمي ينشغل أبوزيد الإدريسي بأزمة الحوار ومنطق تدبير الاختلاف وآليات استيعاب الآخر تصوريا وفكريا وتربويا، محاولا استعادة الخطاب الإسلامي لبعده الإنساني والكوني، من خلال تأكيده انسجام الرؤية القرآنية النسقية مع فلسفة الرحمة الممتدة وعالمية الإسلام، لكنه ينتقد واقع تدبير الاختلافات وشبكة العلاقات الذي تسود فيه آفة شخصنة القضايا والصراعات خصوصا في مستوى إبداء الرأي والموقف حول قضايا التدافع الفكري والمدني والسياسي، الأمر الذي ينتج عنه حالة من الاستسهال والتبسيطية والاختزالية لتعقد الظواهر الاجتماعية وتركيبية الأفكار والوقائع، والتوجه نحو اختصار أسباب المشاكل الكبرى في شخص/فرد أو فئة بعينها، فيتحول الأمر معه إلى حالة من العداء النفسي والردود المأزومة المانعة لأي جدل حواري، فتكون النتيجة سيادة ثقافة إقصاء وإبادة (رأي-فكر –خيار-موقف) باسم أنه خارج دائرة الذات المنزهة عن الخطأ أو الطائفة المنصورة[6]. يستحضر الكاتب دلالة استعمال القرآن الكريم للاسم الموصول(الذي، الذين، التي...) الذي يجرد الموقف من الشخص، ويفك الارتباط بين الذات والحدث، ويحول ذلك إلى مجال مبهم مفارق للزمان والمكان وغير مشخصن[7]؛ فيجعل الحدث شيئاً متجرداً يفيد التعالي عن الأشخاص والأشياء والأحداث، وهذا التعالي القرآني في الخطاب الإلهي عن خطابات التعصب القبلي أو العرقي أو المذهبي، يضمن به القرآن الكريم موقفه وتحليله ورأيه العالمية والخلود والتعالي عن خصوصيات الزمان والمكان. وهكذا ينسجم القرآن الكريم"..نسقيا في استعمالاته ومآلاته(...)، فيتجرد من كل ما هو خصوصي باستعمال الاسم الموصول (1464 مرة) ليتجرد من الأسماء الخاصة وينعتق من ربقة التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا ليسبح في فضاء المواقف والأعمال والاختيارات يربط بها أحكامه وسننه وحُكمه وحِكمه. فليس هناك قبائل ولا أشخاص ولا مناطق ولا دول ولا طوائف ولا نحل ولا أجناس ولا ألوان ولا شعوب ولا جماعات ولا أقوام ولا سلالات، أي لا تخصيص ولا امتيازات، وإنما هي ثلاث مجموعات مفتوحة مرنة، يدخل إليها من شاء باختياره أو يخرج كما شاء، معلقا طائره بعنقه: ''الذين آمنوا'' و''الذين كفروا'' و''الذين نافقوا''[8]. ويستمر في تحليله لذلك بأن الحضور يقتصر على الأعمال والاختيارات التي يحاسب بها كل مكلف، سواء أكانت: الذين هاجروا، جاهدوا، اتقوا، انفقوا، تابوا ...أم كانت: الذين ينقضون، يظنون، يكتبون الكتاب بأيديهم، اشتروا الضلالة بالهدى، يكتمون ما أنزلنا، لا يعلمون، لا يعقلون، لا يومنون[9]. فهي-في نظر الإدريسي- قوانين وسنن تسع الأمريكي والصيني، وليس فقط العربي والتركي، كما أنها تلائم ابن القرن الأربعين ملاءمتها لمن عاش في قرون الغابرين. وما عدا هذا من اختلاف ألوان وثقافات واجتهادات وميولات وأذواق واختيارات، فالإسلام لا يضيق بها، و إنما يراها نعما وآيات وإبداعات[10]؛ وفي هذا رد منهجي على من يحاول تنسيب النص القرآني وجعله نصا مسجونا في قفص التاريخ وبيئة الجزيرة العربية وأحوالها وعاداتها الثقافية والاجتماعية لكي يلغي أحكامه باسم الحفاظ على روح مقاصده الكبرى وتناقضها مع هذه التشريعات التاريخية غير الصالحة لزماننا. يلفت الكتاب إلى أن افتتاح المصحف ب''الحمد لله رب العالمين''، واختتامه ب''قل أعوذ برب الناس''، وبينهما تَسْبح الآيات وتسبح في فضاء من العالمية لا يقتصر الإله على قوم ولا يجعلهم شعبه المختار. كما أن موقع سورة الناس في آخر سورة في المصحف ليس من قبيل الصدفة، حسب ترتيب التدوين بموجب الإرادة الإلهية (مقابل ترتيب النزول بموجب المشيئة الإلهية)؛ ففي ذلك إشارة واضحة إلى أن المآل هو إلى خطاب ومرحلة ''أيها الناس''، الخطاب المناسب لختم الرسالة، وإعلان مرحلة النضج البشري في التعامل مع كلمة الوحي بموجب اجتهاد العقل، والقطيعة مع مرحلة ''يا قوم'' التي انحشرت فيها كل الرسالات السابقة على الرسالة المحمدية، بفعل الواقع الضاغط، لانغلاق التجمعات البشرية، وصعوبة المواصلات وانعدام وسائل الاتصال الجماهيري، ومن ثم فلا عجب أن نجد كلمة ''الناس'' في معرض المخاطبة والتكليف والتوجيه والإنذار والتبشير، تتكرر 241 مرة، كما أن كلمة ''العالمين'' تتكرر 73 مرة، غالبيتها الساحقة في معرض براءة الله من أن يكون إلها مخصوصا لقوم محظوظين، لأنه رب العالمين[11]. يحذر الكاتب من خطورة ما حصل في تاريخ الصراع اللاهوتي من انزلاق عنصري باسم الدين البشري أساسه احتكار الصلة بالله، وبالتالي السقوط في التأله على بقية العباد باعتبارهم ''أميين'' أو ''شعوبا منحطة''؛ بوهم أنهم سُخِّروا لخدمة الطبقة المحظوظة لاهوتيا، في حين أن الإسلام حذر من هذا المنزلق الاحتكار العنصري، ومن هنا كان هذا المفتتح والختام بالإشارة إلى رب العالمين جميعا، رب الناس كلهم (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) (البقرة- 163)، فالإسلام لا يقبل احتكار الله لجهة، ولا ينغلق في نِحلة ولا يُحدث قطيعة مع من سبقوه: "لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ" [البقرة-285][12]. خامسًا- الإسلام واستيعاب الآخر يؤكد الكتاب على أن الإسلام برهن بما يكفي عن قبوله بالآخر، وعن قبوله بالاختلاف مع الآخر من خلال بعدين رئيسين[13]: الأول- تأسيس عملي وواقعي لقبول الآخر رافضا كل أشكال العنصرية تجاهه، كما يرفض الإسلام تصنيف الآخر بسبب اللون أو الجنس أو العرق أو الاعتقاد الوراثي الجماعي الضاغط أو لغيره من المسببات ''غير الاختيارية''؛ وهكذا تنتفي ذاتيا كل أسباب ممارسة العنف أو الإرهاب ضد الآخر لإذلاله أو إقصائه أو محوه محوا ماديا من الوجود، ما دام يتأسس في ضمير الإسلام التلقائي والمنطقي والمؤصل كل أشكال قبول الآخر. ويستدل الكاتب على ذلك بكون الإسلام رغم ختمه للديانات السماوية السابقة ونسخه لها وهيمنته عليها، فإن القرآن الكريم يحدد علاقته بها؛ فقبل أن يقول: "وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ"، يقدم قبلها:"وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ 0لْكِتَٰبَ بِ0لْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ 0لْكِتَٰبِ"(المائدة-84)، وفي نظر الإدريسي لا تعبر الهيمنة هنا على منهج الإلغاء والإقصاء، وإنما تتجه لمنطق التصحيح والتنبيه إلى ما وقع من التحريف في هذه الديانات، وردها إلى أصلها المشترك مع الديانة الإسلامية، والذي هو الأصل الإبراهيمي أو الأصل الآدمي؛ ودليل أبوزيد على أن ''الهيمنة'' ذات منحى تكاملي، ما نلمسه في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حديث نبوي بيّن فيه موضعه بوضوح مستخدما مثال اللبنة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ"[14]، ويعلق الإدريسي قائلا: "فجعل النبي صلى الله عليه وسلم لدوره ورسالته ولموقعه موقع لبنة صغيرة في ركن قصي من بيت كبير، وهذا ليس تكاملا فقط بل تواضع كبير أيضا"[15]. ويثبت ذلك أيضا عند رصد سلوك الصحابة رضوان الله عليهم في فقه التعامل مع غير المسلمين من خلال نموذج الإشكال الفقهي الجديد الذي واجه المسلمين والمرتبط بنمط جديد من الاعتقادات الجماعية يتمثل في المجوسية بوصفها ديانة أرضية غير سماوية وغير مذكورة في القرآن الكريم، حيث طرح الإشكال بعد فتح عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبلاد فارس، خصوصا أن القرآن يتحدث عن أهل الذمة فقط، فإذا بعَبد الرَّحْمَنِ بْن عَوْف يقول: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:"سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ"[16]، وبذلك يرى الإدريسي أنه تم "توسيع مفهوم الذمية من حيث هو تأسيس لعلاقة إنسانية راقية تقبل الآخر، وتضمن له حقوق حرية العبادة وحرية الاعتقاد وحرية المؤسسات التعبدية والفقه الخاص الذي تنبني عليه العلاقات الاجتماعية والأحوال الشخصية. كما تم توسيع هذا المجال لكي يشمل كل الديانات المرفوضة مبدئيا بما فيها ديانات أرضية ووثنية وديانات ليس فيها موقع لله أصلا"[17]. الثاني- النظر إلى الاختلاف بوصفه طبيعة؛ أي أنه جبلة بشرية متأصلة، فلا يعتبره القرآن العظيم انحرافا ولا منكرا، ولا استثناء، بل ينظر إليه على أنه الأصل. يقول تعالى:"وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ 0لنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ"(هود-118)، فيبين بذلك أنه خلقهم من أجل الاختلاف، وأن الاختلاف جزء من طبيعة وجودهم، لا ينتفي إلا بانتفائهم. والاختلاف في التصور الإسلامي رحمة، يكفي ما يقال عن خلاف الفقهاء: ''خلاف العلماء رحمة''، لأن الاختلاف يؤسس للاجتهاد في الرأي، ولأن الاختلاف في زوايا النظرة الشرعية أو الفقهية أو السياسية هو الذي يؤسس للاجتهاد، ولأن الاختلاف جزء من الحرية، فإن الإسلام يجعل من حق الإنسان أن يختلف، ويبني هذا الاختلاف كسلوك فطري على أرضية هي في عمق هذه الفطرة، هي التَّوق إلى الحرية، والرغبة في الحياة بحرية، كما ينظر الإسلام إلى الاختلاف على أنه خصب، وأن التعدد في زوايا النظر يؤدي إلى إخصاب الفكر والواقع الإنساني، بل والمشهد البشري على الأرض[18]. أما عن منهج الإسلام في تدبير الاختلاف فإنه يبني تصوره لتدبير التعايش على جملة عناصر، يحددها الكتاب في أبعاد ثلاثة وهي: - البعد التصوري المتمثل في التفاهم؛ فالإسلام يبحث دوما عن أرضية مشتركة، يتحول إلى فعل مشترك، ومستقر ومنسجم. - البعد الأخلاقي المتعلق بالتحاور؛ حيث رفض الإسلام كل الأشكال العنيفة للتدافع، وطالب بشكل حضاري سلمي معنوي للتدافع، هو التدافع بالفكرة والكلمة - البعد العملي المرتبط التعاون؛ ويبسط المجال العملي لتدبير التعايش حتى لا يبقى مجرد محسنات وتحليات وعواطف ومجاملات، وإنما يتحول إلى إنجاز إنساني مشترك بين جميع الأطراف، يحقق التعاون فيما هو متفق عليه، فيما هو مشترك، أو في المجالات الحيوية والضرورية. ويمكن أن نلخص الأساس التصوري العميق لهذه العناصر الثلاثة، في قوله تعالى:"لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَآ أَمَانِىِّ أَهْلِ 0لْكِتَٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدْ لَهُۥ مِن دُونِ 0للَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا"[النساء-123]. هذا المعنى الرائع ينفي عن المسلمين كبشر مبدأ التميز عن الآخرين، ويجعل الناس جميعا سواء أمام القانون الإلهي، سواء أكانوا يهودا أم نصارى أم مجوسا أم غيرهم[19]. سادسًا- عالمية أم عولمة يعتبر الكتاب أن الحضارة الغربية القائمة على أسس الأخلاقية المسيحية-اليهودية كما تزعم لنفسها، لم تثبت قط قدرتها على قبول الآخر ولا على تحمل الاختلاف معه ولا على فهم العالم إلا على صورة نمطية موحدة، هي أن يكون انعكاسا لصورتها المهيمنة، منذ عهد الرومان إلى زمن العولمة، مبرزا أن أحد ثوابت الفكر الغربي هو "نفي الآخر"، فرغم أن خطاب الغرب اليوم هو خطاب التسامح والإنسانية والتعايش والديمقراطية وحقوق الإنسان، فإنه كان دائما يقصي وينفي الآخر، فمن الرومان إلى الأمريكان، من الإمبراطورية الرومانية إلى العولمة الأمريكية، نجد حوارا متمركزا حول الذات أو ما يسمى "التمركز حول الأنا"، ليخلص أبوزيد إلى أن الغرب لا يحاور الآخر، وإنما يحاور نفسه بصدد الآخر، ويتحدث مع نفسه عن أشكال تصور الآخر وعن أشكال التعاطي معه والهيمنة عليه واستغلاله ومحاولة تنميطه بإلزامه بالمقاييس والمفاهيم الغربية[20]، ويريد أن يكون الآخر نسخة له بالشكل الذي يريده هو، وليس ما يريده الآخر نفسه. وحتى إن أراد أن يقلده بطريقته الإبداعية لكي يبني ذاته بقوته، فإنه لا يقبل ولا يسمح به[21]. يحلل الكتاب المرتكزات الدينية والثقافية لفكر الإبادة عند الغرب القائمة على أصول توراتية تمنح مبررها من أوامر العنف الدموي الهائل الذي تحبل به نصوص التوراة المنسوبة كذبا للوحي باعتبارها أوامر مقدسة، يعتبر قربة لإله خاص بشعب خاص(لم يعتبر المسلمون قط أن الله لهم وحدهم) وخصوصا سفر يشوع المخصص لعمليات الإبادة الشاملة المشار إليها بمصطلح خاص وهو:"التحريم" وهي إبادة يفاخر بها، وتنسب لأوامر مقدسة وإرادة متعالية لتطهير الأرض من الأجناس المنحطة التي تتلبسها أرواح شريرة[22]، مستعرضا نصوصا دينية من سفر يشوع المنحول على التوراة(الإصحاح الأول والسادس والثامن والعاشر). ومن ثم يخلص على أن الغرب تلبس بثقافة الإبادة تنظيرا وتأصيلا وتسويغا من الدين، وإنجازا رهيبا متواصلا من محاكم التفتيش، بل وقبلها، إلى معارك الفلوجة، ويعتبر جزءا واسعا من الثقافة المسيحية البيوريتانية البروتستانتية المتصهينة، أساسا لتسويغ الإبادات بل واعتبارها ضرورة أخلاقية وإرادة إلهية، مستندا إلى الدراسات التي تخصصت في تفكيك دور الأسس الدينية في نشأة الولاياتالمتحدةالأمريكية والتي من بينها:"المعنى الإسرائيلي لأمريكا" وآخرها "حق التضحية بالآخر"، فهي لم تعتذر لحد الآن عن إبادة مائة وعشرين مليون هندي، كما يتوقف عند الوصف المخيف لدمار العالم في آخر الزمان في تصور اليمين المسيحي الصهيوني، من خلال وصف معركة هرمجدون[23] التي تشرح نبوءة دانيال في الإنجيل تفاصيلها وتتحدث عن أربعمائة مليون إنسان سوف تذوب جلودهم بنار الكبريت ويعانون القتل الشنيع[24]. يخلص الكاتب إلى أن الإسلام احترم الاختلاف الثقافي للشعوب وتركها على ما هي عليه ولم ينكر عليها إلا ما كان منكرا في الدين من إفساد أو ظلم، ولم يسع إلى تنميطها ولا فرض عليها نموذجا للعيش الخاص بالعرب، بالمقابل ضاق الغرب الاستعماري بكل اختلاف واعتبره مظاهر همجية ووحشية وأكره الشعوب التي احتلها على تغيير دينها ولغتها وثقافتها وتقاليدها تحت طائلة الإبادة؛ معتبرا دعوى العالمية في الحضارة الغربية مجرد ادعاء حين تمت تسميتها بالعولمة، متوقفا عند التمييز الدقيق الذي أقامه المفكر محمد عابد الجابري في تمييزه بين العالمية والعولمة، من خلال الجدول الآتي: العولمة إرادة للهيمنة وقمع وإقصاء للخصوصيات احتواء للعالم ونفي للآخر وإحلال للاختراق الثقافي محل الصراع الايديولوجي طموح لاختراق الآخر وسلبه خصوصيته ونفيه من العالم اختراق للهوية وتمييع لها العالمية طموح إلى الارتفاع بالخصوصية إلى مستوى عالمي تفتح على ما هو عالمي وكوني وعلى الثقافات الأخرى واحتفاظ بالخلاف الايديولوجي طموح مشروع ورغبة في الأخذ والعطاء والتعارف والتلاقح والحوار إغناء للهوية على سبيل الختم لقد أصبح الانفتاح في معجمنا الحضاري يعني "الانغلاق على الغرب" وحالة من التماهي الانبهاري معه والتبعية الإدراكية والنفسية للغالب دون القدرة على امتلاك الحس الاستيعابي والنقدي بأفق التواصل والإبداع المستقل، يرجع ذلك إلى طبيعة ترسبات الإرث الاستعماري الغربي في بنيتنا الثقافية واللغوية والحضارية، مما يؤدي إلى نوع من التحيز ضد الذات لصالح الآخر على حد تعبير المسيري. وهو في الأخير ليس انفتاحا، إنما شكل من أشكال الانغلاق المستتر برداء الانفتاح، كما ظل يردد المسيري في حواراته وأعماله الفكرية؛ ودليله على ذلك تلك المعرفة العربية الإسلامية "المحدودة والمتواضعة عن التشكيلات الحضارية المختلفة داخل الغرب ذاته، مثل روسية بولندة وأوكرانية، وعدد الذين يعرفون تاريخ اليابان أو الهند أو الصين وحضارتها وفنونها ومعمارها ولغاتها قلة بيننا..لم نسمع أحدا يطالب بالانفتاح على الصين أو اليابان أو الدول الإسلامية كأندونيسيا وماليزيا...الخ"[25]، ذلك أن "الانفتاح في المعجم الثقافي العربي يعني الانفتاح على فرنسا وانكلترا وأمريكا وربما إسبانيا وليس على بقية العالم، فالحضارة في تصور الكثيرين تبدأ وتنتهي هناك، وطبعا هذا يعود سببه إلى أن تكويننا الثقافي يحدد لنا مجال الرؤية"[26]، ولعله يعود في جزء منه إلى طبيعة التكوين المتغرب لكثير من نخبنا السياسية والجامعية والثقافية. أما الآخر فمن حقه "أن يكون فاعلا متحيزا أو متميزا في رؤيته لذاتنا وحتى التأثير في خياراتها الأساسية، فذلك عامل دينامية لنا في إدراك مخزوننا من الطاقات، وعنصر حيوية في اتّجاه المقارعة بقناعاتنا واختبار صلاحيتها على أرض الواقع. ولكن ليس من حقّنا أن نترك الآخر يحتكر صياغة صورتنا، في تحليل ذاكرتها وقراءة واقعها ورسم مستقبلها، فإن ذلك إجرام في حق كرامة شعوبنا التي نشترك معها في الثقافة والتاريخ والقيم الجماعية"[27]. لابد من التخلص من"عقدة الخوف من الغرب ومواجهة تحدياته بعلمية وموضوعية وبعقل استراتيجي يقدّم مصلحة الإسلام، والتخصص العميق في دراسته والاستفادة منه قصد فهم علمي أعمق وأشمل لتطور مقولات حداثته كالديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والإفادة منها[28]، رغم أن أزمة الغرب في التعامل غير العادل بهذه القيم مع الخصوصيات الدينية والثقافية الجماعية[29]، فهو لم يتخلص من عقدته التاريخية والحضارية في الصراع مع الإسلام والمسلمين، إلا أن منهج الاعتراف بإمكانية صوابية الآخر ينبغي أن يقودنا إلى الانتفاع من حكمته وتهيئتها لخصوصيتنا الحضارية الراهنة[30]؛ مع "التأكيد على أنه إذا كان الغرب قد تحول إلى مطلق، فإنه يجب أن يستعيد نسبيته، وإذا كان يشغل المركز فإنه يجب أن يصبح مرة أخرى عنصرا واحدا ضن عناصر أخرى تكون عالم الإنسان، وإن كان يعتبر نفسه عالميا. وهذا لا يمكن أن يتم باستعادة تبيان خصوصيته ومحليته، أي أن الغرب يجب أن يصبح غربيا مرة أخرى لا عالميا"[31]. إن عموم الرحمة وشموليتها يستدعي قيمة حفظ الكرامة الإنسانية"وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ"[الإسراء-70] التي ربطت بالآدمية فقط دون أي إحالة على صفة مميزة، مما يقتضي الارتقاء بالخطاب الإسلامي المعاصر إلى أفقه الإنساني والعالمي والكوني، من أجل تفعيل جاد لقيم الكرامة والعدل والحرية والشورى، لتأخذ مكانها المحوري في أسئلة النهضة والتحرر الحارقة ضمن رؤية إصلاحية حضارية شاملة، مركزها الإنسان تحريرا وتكريما وتفعيلا. والله أعلم -------------------------------- (*) سلمان بو نعمان: كاتب وباحث في العلوم السياسية والاجتماعية- البريد الالكتروني: ([email protected]). [1] أبوزيد المقرئ الإدريسي، عموم الرحمة وعالمية الإسلام، منشورات مؤسسة الإدريسي الفكرية للأبحاث والدراسات، الطبعة الأولى، الدارالبيضاء، مارس 2014. [2] نشير في هذا السياق إلى بعض المحاضرات التي تلامس القضايا المطروحة في الدراسة ونذكر منها: موقف القرآن الكريم من الآخر/ لغة الحوار في القرآن الكريم/ مسلمون شهداء لإله الرحمة/ نماذج من مراجعات الفكر المتطرف...الخ أما البرامج الإعلامية فنذكر منها: برنامج قناة اقرأ، تحت عنوان"معالم قرآنية"، خلال سنة 2007، وحلقات برنامج: "آفاق البناء"على قناة دليل خلال سنة 2009. [3] انظر: أبوزيد المقرئ الإدريسي، عموم الرحمة وعالمية الإسلام، منشورات مؤسسة الإدريسي الفكرية للأبحاث والدراسات، الطبعة الأولى، الدارالبيضاء، مارس 2014، ص81-82 بتصرف شديد. [4] انظر: أبوزيد المقرئ الإدريسي، منهج الحوار في القرآن الكريم، ورقة علمية قدمت في عدة مؤتمرات عالمية، نشرت في مجلة الرشاد في جزأين، تابع الجزء الثاني على الرابط الالكتروني: http://www.alrashad.org/issues/11/11-Idrisi.htm [5] انظر: أبوزيد المقرئ الإدريسي، عموم الرحمة وعالمية الإسلام، مرجع سابق، ص15-17-19 بتصرف. [6] في معرض تشخيصه لمعضلة الطائفية وأزمة هذه العقلية المستحكمة بالطائفي إذ يحتكر لنفسه الفرقة الناجية والطائفة المنصورة معا، بدمجهما تمحلا في ذات أنانيته المنتفخة(...) رغم أن صفات الطائفة المنصورة هي علامات للالتزام لا احتكارات للإقصاء، تماما كما أن علامات الساعة مؤشرات لغايات تربوية، لا تخرصات لغايات خرافية. انظر في هذا الصدد: أبوزيد المقرئ الإدريسي، في تشخيص الطائفية، الرابط الالكتروني: http://abouzaid.com/index.php?option=com_content&view=article&id=86:porttitor-lorem-vestibulum&catid=36:2013-12-17-17-52-10&Itemid=65 [7] نقول مثلا جاء الكافر أو جاء الذي كفر، وهي كلمة الذي تأتي بعدها (كفر) وهي حدث وموقف يفصله عن الشخص في حين الكافر تمزجهما معاً (الكافر ) فهو الذات وهو الفعل (المحدث والحدث)، (الموقف والإنسان) ، (الإنتاج والمنتج) انظر: أبوزيد المقرئ الإدريسي منهج الحوار في القرآن الكريم، مرجع سابق. [8] انظر: أبوزيد المقرئ الإدريسي، عموم الرحمة، ص43 بتصرف. [9] نفسه، ص43-44 بتصرف. [10] نفسه، ص44. [11] نفسه، ص42. [12] نفسه، ص41-42 بتصرف. [13] نفسه، ص45-46-48-49 بتصرف. [14] أخرجه البخاري ومسلم وأحمد. [15] أبوزيد المقرئ الإدريسي، عموم الرحمة وعالمية الإسلام، مرجع سابق، ص46. [16] رقم الحديث 609 (حديث مرفوع) وَحَدَّثَنِي، عَنْ مَالِك، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:"سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ" موطأ مالك رواية يحيى الليثي- كِتَاب الزَّكَاةِ- بَابُ جِزْيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ. [17] أبوزيد، عموم الرحمة، ص47. [18] نفسه، ص48. [19] أبوزيد المقرئ الإدريسي، عموم الرحمة، مرجع سابق، 51-52-53-54، بتصرف. [20] نفسه، ص56-57 بتصرف. [21] نفسه، ص58. وانظر أيضا: معضلة العنف: رؤية إسلامية، مطبعة لينا، الرباط، طبعة 2011. [22] نفسه، ص32-33. [23] أرمجدون أو هرمجدون هي كلمة جاءت من عبرية هار-مجدون أو جبل مجدو، بحسب المفهوم التوراتي هي المعركة الفاصلة بين الخير والشر وتكون على إثرها بداية عصر جديد للأنسانية. وتقع هضبة "مجيدو" في منطقة فلسطين على بعد 90 كلم شمال القدس و 30 كلم جنوب شرق مدينة حيفا، ويقول القس هال ليندسي في كتابه (العالم الجديد): "تصوروا 200 مليون جندي من أعداء المسيح يزحفون من كل مكان نحو فلسطين. ورغم كثرتهم يذهب اليهم المسيح حيث يتجمعون في سهل هرمجدون فيقتل منهم الملايين فتسيل الدماء انهاراً ويمتلئ الوادي بملايين الجثث فيرسل الله ماء طاهراً فيمحو آثارهم فلا يبقى غير المؤمنين وحدهم(..)قبل قيام اسرائيل كانت هرمجدون مجرد اسطورة وأمراً بعيد الحدوث، اما اليوم فآمن بها معظم المسيحيون واعتبروها بداية العد العكسي للمعركة" أما الكاتب التوراتي جيري فولر فيقول: "سيجتمع في هرمجدون ملايين الرجال من الطرفين لخوض آخر المآسي الانسانية. و ستنتهي المعركة بانتصار المسيح وايمان من بقي معه من اليهود (وسيكون عددهم 144ألفاً فقط) وحينها سينعم العالم لاول مرة بالايمان والسلام" انظر: فهد عامر الاحمدي، هرمجدون.. آخر معارك الدنيا، على الرابط: http://www.alriyadh.com/22538 وانظر أيضا: أبوزيد المقرئ الإدريسي، هل أمريكا دولة علمانية؟(محاضرة)، الرباط- المغرب 2003. ويمكن الرجوع إلى الأعمال الهامة لكل من غريس هالسل(النبوءة والسياسة) و(يد الله) وكتابات "محمد السماك" عن المسيحية الصهيونية. [24] أبوزيد، عموم الرحمة، مرجع سابق، ص32 وص36. [25] عبد الوهاب المسيري، الثقافة والمنهج، حوارات، تحرير: سوزان حرفي، دار الفكر، دمشق، سوريا، ط 1، 2009، ص333-334. وأيضا: سلمان بونعمان، الرؤية المعرفية بين العلمانية والإمبريالية من خلال كتابات عبد الوهاب المسيري، منشور بموقع مركز نماء للبحوث والدراسات، على الرابط: http://nama-center.com/ActivitieDatials.aspx?id=350 [26] المسيري، الثقافة والمنهج، نفسه، ص334. [27] انظر في هذا الصدد: محمد المستيري، جدل التأصيل والمعاصرة في الفكر الإسلامي، منشورات كارم الشريف، تونس، الطبعة الأولى 2014، ص25. [28] نفسه، ص91-92 بتصرف [29] نفسه، ص94. [30] نفسه، ص92. [31] انظر في هذا الصدد: عبد الوهاب المسيري، فقه التحيز، في إشكالية التحيز: رؤيةٌ معرفيةٌ ودعوةٌ للاجتهاد(المجلد الأول). تأليف وتحرير(مجلدان كبيران)، نقابة المهندسين، القاهرة والمعهد العالمي للفكر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1993.