في الوقت الذي مايزال مواطنو المناطق المنكوبة بالفيضانات، يعانون من انقطاع الطرق، وانهيار بعض القناطر وتدهور حالة قناطر أخرى، ظهر وزيرنا المكلف بالنقل فجأة ليعطي الموعظة، بعدما غاب عن الأحداث، صوتا وصورة، وربما ضميرا حتى، وكأنه وزير في دولة أخرى وليس في المغرب. بالأمس، ترك محمد نجيب بوليف، مشاكل النقل في المغرب جانبا، وتجاهل حالة الطرق الوطنية والفرعية والأخرى التي أصبحت كما لو أنها بسكويت "مفرتت"، ليعود إلى أصله "الدعوي"، ينشر "الموعظة الحسنة"، التي لها مفعول السحر على أصوات الذين لا حول لهم ولا قوة في هذه البلاد السعيدة. السي بوليف يجد دائما وبانتظام الوقت الكافي لكتابة الموعظة على حائطه الفايسبوكي، تاركا مشاكل الطرق في البلاد على حالها، فينزوي لأخذ "لحظة للتأمل"، بعيدة جدا عن "الزفت" و"بياضة" والكياس" و"التوفنة" والإسمنت المسلح و"قطبان الحديد نيميرو 50"، التي تنتظرها الآن طرق المناطق المنكوبة، ترك كل ذلك وأخذ يسبح في عالم "الفُقْها" قائلا "النهر لا يشرب ماءه"، وهو العارف، أكثر من غيره، أن نهرا في تارودانت اسمه "تيزرت" لم يشرب ماءه، وإنما بلع عددا من الضحايا بسبب سوء التقدير للسياسي في هذا البلد.. كما أنه يدرك جيدا أن النهر فعلا لا يشرب ماءه، ولكن وادا اسمه دشمان "جرجف" دفعة واحدة حافلة بالراشدية، مخلفا 25 قتيلا، وعوض أن يطير الوزير إلى هناك، اكتفى بإرسال تعزية "فايسبوكية" قصيرة، يعقبها بين الحين والآخر بموعظة، حتى كثرت مواعظه الفايسبوكية. ما علينا، وأضاف بوليف في موعظته الحسنة، التي "رشمها" كثيرون بوسومات الضحك، قائلا: "والبحر لا يأكل سمكه. والأشجار لا تأكل ثمارها. الشمس لا تُشرق لذاتها. والزهرة لا تعبق لنفسِها. وذات الضَّرْعُ لا تشرب لبنها… خلقت الأشياء لتخدم غيرها.. هذه حكمة الله ورسالته لنا. لنعش لبعضنا. فلنكن عونا لبعض ولنسعى في الخير.. إذا جاءك المهموم.. أنصت. وإذا جاءك المعتذر.. اصفح. وإذا قصدك المحتاج.. أنفق. ليس المطلوب أن يكون في جيبك مصحف ولكن المطلوب أن تكون في أخلاقك آية.. كل شيء حولنا يرحل. ويغيب، إلا الخير يظل مغروساً في النفوس.. .هنيئاً لمن يزرع الخير والطيب بين الناس.. اجعل من يراك يدعو لمن رباك.. نقاء القلب ليس غباء إنما فطرة يميز الله بها من أحب، فلنتأمل…". هذا قول الوزير "الكفاءة" بالحرف، وربما نسي أن يختمها ب"انشرها 10 مرات وسترى الليلة ما يسرك، وإذا امتنعت عن النشر.. فاعلم أن الشيطان منعك". السؤال الذي يتبادر إلى ذهن اللبيب، هو هل بمثل هذه "الكفاءة" العثمانية نستطيع أن نتقدم إلى الأمام؟ أم إن بمثل هذا الخطاب، الذي تجاوزه حتى "فقهاء المآتم"، نستطع أن نبعث الحياة في الأداء الحكومي.. فعلا، كما قال بوليف "فلنتأمل".. ودوزو بخير.