الطفلة هبة دليل آخر على أننا نتحول من كائنات بشرية إلى مجرد آلات يهمها فقط أن تصور وتثير الإعجاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتعبر، أيضا، عن فرحها وغضبها عبر الأنترنيت، أي أن دورنا كبشر ذاهب في التلاشي. ربما كان بإمكان الناس المنشغلين بالتصوير أن يفعلوا شيئا من أجل الطفلة ذات الخمس سنوات في الحريق المفجع بمنزل بسيدي علال البحراوي، وربما كان على أفراد الوقاية المدنية أن يفعلوا الكثير أيضا، لكن كل ما ربحناه هو مشاهدة طفلة بريئة في قلب الجحيم وهي تصرخ، يائسة، من أجل إنقاذها، بينما الناس يوجهون عدسات هواتفهم المحمولة نحو الطفلة، ويتأكدون بين الفينة والأخرى أن بطاريات هواتفهم لا تزال تعمل، حتى يحققوا سبقا على صفحاتهم الفيسبوكية، وأيضا ليذرفوا الكثير من الدموع عبر وسائط التواصل الاجتماعي. اليوم، يتبادل الناس الاتهامات، عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وكل طرف يتهم الطرف الآخر بالمساهمة في قتل الطفلة البريئة، ولا أحد يريد أن يعترف بأن تصوير الطفلة في تلك الأوضاع هو جريمة أفظع، فمن لا يستطيع الإنقاذ فيجب، على الأقل، أن يستغفر الله ويذهب إلى حال سبيله، لا أن ينشر ما صوره على صفحته ثم يبكي، مثل أي تمساح "بريء". احترق الجسد الصغير للطفلة هبة، وهذه الجريمة الأصغر، بينما الجريمة الأكبر هي هذه الشرائط التي يتم تداولها عبر الواتساب والفيسبوك وغيرها من وسائط العار، التي عوض أن تتحول إلى نوافذ للأمل، صارت أبواب للمذلة والعار والهزيمة. ما يفعله الناس اليوم بشرائط الطفلة هبة، هو ما فعلوه من قبل بشريط الفتاة حنان، التي ماتت تحت وطأة التعذيب، وشرائط أخرى كثيرة، ومع ذلك لا يتورع الناس عن التلذذ بالفظاعات بحجة نقل الواقع، بينما الواقع هو أن تفعل شيئا في الواقع، أي أن تحاول في الواقع إنقاذ الطفلة هبة.. وأن تفعل أشياء كثيرة غير ذلك. لنمارس بعض الخيال.. العلمي ربما، ونقول إن الطفلة هبة حدث لها ما حدث في وقت لا يوجد فيه هاتف محمول ولا فيسبوك ولا بطيخ بلدي، أكيد أن مصيرها لن يكون مشابها لمصيرها اليوم.