لا يزال الترشيح المحتمل لزعيم حزب النهضة راشد الغنوشي للرئاسيات في تونس يثير الكثير من الجدل حول تداعياته المحتملة على مستقبل تونس السياسي. وتخلق التصريحات المتناقضة لمسؤولي الحركة حول موضوع ترشيح الغنوشي حالة من الغموض حول النوايا الحقيقية للحزب الذي استهل مشاركته السياسية في الحكومة منذ 2014 في تحالف مع قوى نداء تونس. وتكمن حساسية هذا الترشيح في ارتباطها بموقع التيار الإسلامي في المشهد السياسي التونسي الذي نجا إلى حدود اليوم من تداعيات الصراعات التي ولدتها ثورات الربيع العربي. كما أن هذا الترشيح المحتمل للغنوشي يضع مصداقية الحركة على المحك إذ سبق للغنوشي أن صرح سنة 2011 إثر عودته من لندن بأنه لن يترشح إلى أي منصب في الدولة. ويستدعي هذا التغيير في موقف الحركة الإجابة على بعض الأسئلة الأساسية التي يطرحها المواطنون التونسيون. ورغم تفاؤل الكثير من المراقبين للشأن التونسي باعتبار أن الظروف التي حالت دون ترشيح النهضة للرئاسيات لم تتغير منذ 2011 إلى اليوم إلا أن وفاة الرئيس قايد السبسي وتفكك المعارضة التقدمية وفشل الحكومات المتعاقبة في تدبير الشأن السياسي والاقتصادي كلها ظروف توفر أرضية خصبة لطموح حركة النهضة. لكن المجمع عليه إلى اليوم في تونس هو الرفض التام من لدن مختلف القوى والتيارات لترشح الغنوشي للرئاسيات. كما أن الكثير من التحليلات لا تستبعد أن يكون التلويح بترشيح الغنوشي مجرد مناورة لتحقيق المزيد من المكاسب السياسية في العلاقة مع الحلفاء. وتبدو دعوات الترشيح للرئاسيات غير واقعية البتة ولا تراعي المعطيات الدولية والإقليمية. فالاتفاق المحلي والإقليمي والدولي الذي أعقب 2011 والدي يعتبر أن موقع الإسلاميين التونسيين هو المشاركة في الحكم وليس تصدره لا يزال قائما. وكان هذا هو الأساس الذي قام عليه التوافق بين التيار الدستوري والتيار الإسلامي في باريس قبل سنوات. ولا يتردد المراقبون التونسيون في اعتبار التلويح بترشيح الغنوشي للرئاسيات مغامرة سياسية فير محسوبة العواقب. وتظهر خطورة هذه المغامرة في تحربة دول الحوار وخصوصا في ليبيا التي لا تزال تعيش صراعات دموية بسبب غياب روح التوافق التي سادت تونس عقي ثورة الياسمين. يذكر أن حركة النهضة، التي تأسست في تونس عام 1981، فازت بانتخابات 23 أكتوبر 2011، أول انتخابات ديمقراطية في البلاد، ومارست الحكم عبر تحالف الترويكا مع حزبين آخرين، ضمن حكومة حمادي الجبالي وحكومة علي العريض القياديين فيها، وذلك حتى 2014. وفي انتخابات 26 أكتوبر 2014، حلت في المرتبة الثانية وشاركت في الحكومات المتعاقبة ضمن تحالف سياسي موسع، ولكنها لم ترشح أحدا من صفوفها في الانتخابات الرئاسية التونسية 2014. لكن السيناريو الأكثر إثارة للقلق في تونس هو إصرار الحركة على ترشيح زعيمها التاريخي للرئاسيات مع احتمالات فوزه. ويمكن ان يمثل فوز الغنوشي نهاية التوافق التونسي الذي يمثل استثناء في المنطقة. وبالنسبة لكثير من التونسيين فإن هذا الفوز قد يهدد بعض القيم التونسية التي جعلت من البلاد باستمرار نموذجا متميزا في المنطقة خصوصا فيما يتعلق بسبقها التاريخي والحضاري مثلما هو الحال في قضايا الحريات وحقوق المرأة.